الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: أحكام القرآن ***
قَالَ اللهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ}؛ فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْوَعِيدِ، هَلْ مَعَهُ جَزَاءٌ عَلَى الْمُحْرِمِ الْمُصِيبِ لِلصَّيْدِ فِي إِحْرَامِهِ عَامِدًا كَمَا كَانَ عَلَيْهِ فِي إِصَابَتِهِ إِيَّاهُ بَدْءًا؟ فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ لَا جَزَاءَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، وَرَوَوْا ذَلِكَ عَنْ شُرَيْحٍ. 1733- كَمَا حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ الْأَنْصَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ شُرَيْحٍ، قَالَ: جَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: إِنَّهُ أَصَابَ صَيْدًا وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَقَالَ " هَلْ كُنْتَ أَصَبْتَهُ قَبْلَ ذَلِكَ؟ " قَالَ: لَا قَالَ: " أَمَا أَنِّي لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكَ أَصَبْتَهُ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ أَحْكُمْ عَلَيْكَ، وَلَوَكَّلْتُكَ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَكَانَ هُوَ الَّذِي يَنْتَقِمُ مِنْكَ، وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ". 1734- وَكَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ شُرَيْحٍ، قَالَ: يُحْكَمُ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَعَادَ تُرِكَ وَالنِّقْمَةَ " وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ يُحْكَمُ عَلَيْهِ إِذَا أَصَابَهُ عَائِدًا كَمَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ إِذَا أَصَابَهُ مُبْتَدِئًا، وَلَمْ يَرْفَعُوا عَنْهُ الْجَزَاءَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ نَدْبًا بِوُجُوبِ النِّقْمَةِ عَلَيْهِ فِي الْعَوْدِ وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ، وَزُفَرُ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، كَمَا حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَمْ يَحْكِ فِي ذَلِكَ خِلَافًا وَهَكَذَا كَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَالشَّافِعِيُّ يَقُولَانِ فِي هَذَا أَيْضًا وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْهُمْ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ. 1735- كَمَا حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ عَطَاءٍ، " فِي الرَّجُلِ يَقْتُلُ الصَّيْدَ، ثُمَّ يَعُودُ، قَالَ: إِذَا عَادَ أُعِيدَ عَلَيْهِ ". 1736- وَكَمَا حَدَّثَنَا صَالِحُ، أَيْضًا، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّهُ قَالَ: " إِذَا عَادَ أُعِيدَ عَلَيْهِ ". 1737- وَكَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا دَاوُدُ، قَالَ: ذَكَرْتُ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَوْلَ شُرَيْحٍ فِي الْمُحْرِمِ يَقْتُلُ الصَّيْدَ مُتَعَمِّدًا، أَنَّهُ يُحْكَمُ عَلَيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، فَإِنْ عَادَ تُرِكَ وَالنِّقْمَةَ، فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: " مَا قَالَ شَيْئًا، يُحْكَمُ عَلَيْهِ كُلَّمَا عَادَ ". 1738- وَكَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، " فِي مُحْرِمٍ أَصَابَ صَيْدًا عَمْدًا، ثُمَّ عَادَ، قَالَ: يُحْكَمُ عَلَيْهِ كُلَّمَا عَادَ " وَلَمَّا اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ نَظَرْنَا فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْهُ، فَوَجَدْنَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ مَسْعُودٍ، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو، وَجَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ قَدْ حَكَمُوا عَلَى الْمُحْرِمِينَ فِي إِصَابَةِ الصَّيْدِ بِمَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ عَنْهُمْ بِأَسَانِيدِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا، وَلَمْ يَسْأَلْ أَحَدٌ مِنْهُمُ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ فِيهِ أَمْ لَا، فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ كَانَ عِنْدَهُمْ فِي الْبَدْءِ وَالْعَوْدِ فِي ذَلِكَ وَقَدْ وَجَدْنَا فِي حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا أَيْضًا مِنْ جَعْلِهِ عَلَى قَاتِلِ الضَّبْعِ فِي إِحْرَامِهِ كَبْشًا، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ هَذَا الْبَابِ وَفِي تَرْكِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُؤَالَهُ هَلْ كَانَ قَتَلَ صَيْدًا قَبْلَهَا أَمْ لَا، دَلِيلٌ عَلَى اسْتِوَاءِ الْحُكْمِ كَانَ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ النَّظَرُ أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَذَلِكَ أَنَّا رَأَيْنَا أَشْيَاءَ مَنَعَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُحْرِمِينَ مِنْهَا بِالْإِحْرَامِ، فَمِنْهَا الْجِمَاعُ، وَمِنْهَا قَتْلُ الصَّيْدِ إِلَى سَائِرِ مَا نَهَى عَنْهُ سِوَاهُمَا فِي الْإِحْرَامِ فَكَانَ مَنْ جَامَعَ فِي إِحْرَامِهِ مَرَّةً فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْهَدْيُ فَأَهْدَاهُ، ثُمَّ جَامَعَ ثَانِيَةً فِي إِحْرَامِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْهَدْيُ أَيْضًا، وَكَانَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي جَمَاعِهِ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ الَّذِي كَانَ وَجَبَ عَلَيْهِ فِي جَمَاعِهِ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى، فَكَذَلِكَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي إِصَابَةِ الصَّيْدِ عَائِدًا هُوَ مِثْلُ الَّذِي كَانَ وَجَبَ عَلَيْهِ فِي إِصَابَتِهِ إِيَّاهُ بَدْءًا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إِنَّمَا انْتَفَتِ الْكَفَّارَةُ عَنِ الْعَائِدِ لِقَتْلِ الصَّيْدِ لِوُقُوعِ النِّقْمَةِ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ قِيلَ لَهُ: أَوَلَيْسَ إِنَّمَا كَانَ مُنْتَقَمًا مِنْهُ بِمَعْصِيَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلِمُخَالَفَتِهِ أَمْرَهُ؟ أَرَأَيْتَ لَوْ قَتَلَ الصَّيْدَ بَدْءًا عَاتِيًا، مُنْتَهِكًا لِلْحُرْمَةِ، قَاصِدًا لِلْمَعْصِيَةِ، أَمَا كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ نِقْمَةٌ؟ وَيَكُونُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ؟ وَلَا يَرْفَعُ الْإِثْمُ الْوَاقِعُ عَلَيْهِ بِفِعْلِهِ الْجَزَاءَ عَنْهُ؟ وَكَذَلِكَ رَأَيْنَا سَائِرَ الْأَفْعَالِ الَّتِي هِيَ مَعَاصٍ حُكْمُ الْبَدْءِ مِنْهَا الَّذِي يُوجِبُ الْإِثْمَ فِيمَا يُوجِبُ مِنْ عُقُوبَةٍ وَغَيْرِهَا، حُكْمُ مَا يُصَابُ مِنْهَا بَعْدَ ذَلِكَ فِي وُجُوبِ الْعُقُوبَاتِ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُخْتَلِفًا فِي الْإِثْمِ مِنْ ذَلِكَ أَنَّا رَأَيْنَا الرَّجُلَ إِذَا زَنَى بَدْءًا فَقَدْ عَصَى رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَعْصِيَةً هِيَ أَعْظَمُ مِنْ قَتْلِ الصَّيْدِ فِي الْإِحْرَامِ، وَالْوَعِيدُ عَلَيْهَا أَكْثَرُ مِنَ الْوَعِيدِ عَلَى قَاتِلِ الصَّيْدِ فِي الْإِحْرَامِ، وَيَجِبُ عَلَى فَاعِلِهَا الْحَدُّ وَرَأَيْنَاهُ لَوْ عَاوَدَ الزِّنَى كَانَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنَ الْعُقُوبَةِ فِي ذَلِكَ مِثْلُ الَّذِي كَانَ وَجَبَ عَلَيْهِ مِنَ الْعُقُوبَةِ فِيمَا كَانَ أَصَابَهُ مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَمِنْ ذَلِكَ الرَّجُلُ يَسْرِقُ السَّرِقَةَ الَّتِي يَجِبُ عَلَيْهِ فِيهَا الْقَطْعُ، فَهُوَ بِسَرِقَتِهِ عَاصٍ لِرَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالْوَعِيدُ مِنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ عَلَى ذَلِكَ أَعْظَمُ مِنَ الْوَعِيدِ لَهُ إِيَّاهُ عَلَى قَتْلِ الصَّيْدِ فِي إِحْرَامِهِ، وَعَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ قَطْعُ يَدِهِ، ثُمَّ إِنْ عَادَ فَسَرَقَ أَيْضًا قُطِعَتْ رِجْلُهُ مِنْ خِلَافٍ، وَكَانَ فِي سَرِقَتِهِ الثَّانِيَةِ أَعْظَمَ جُرْمًا مِنْهُ فِي سَرِقَتِهِ الْأُولَى، وَكَانَ الْوَعِيدُ لَهُ فِي ذَلِكَ أَعْظَمَ مِنَ الْوَعِيدِ لَهُ فِي سَرِقَتِهِ الْأُولَى، وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَقْطُوعًا فِي سَرِقَتِهِ هَذِهِ كَمَا كَانَ مَقْطُوعًا فِي سَرِقَتِهِ الْأُولَى فَكَانَ الْقِيَاسُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ قَاتِلُ الصَّيْدِ عَائِدًا، وَإِنْ كَانَ فِي الْإِثْمِ أَكْثَرَ مِنْهُ فِي قَتْلِهِ إِيَّاهُ بَدْءًا، لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ فِي الْكَفَّارَةِ فِي قَتْلِهِ إِيَّاهُ عَائِدًا مِثْلُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ فِي قَتْلِهِ إِيَّاهُ مِنَ الْكَفَّارَاتِ بَدْءًا فَإِنْ قَالَ: فَإِنَّ جَزَاءَ الصَّيْدِ إِنَّما جُعِلَ كَفَّارَةً، وَالْكَفَّارَاتُ تَمْحُو الذُّنُوبَ، وَقَاتِلُ الصَّيْدِ عَائِدًا فَقَدْ حَقَّ عَلَيْهِ وَعِيدُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالْكَفَّارَةُ لَا تَدْفَعُ ذَلِكَ عَنْهُ، فَلَا مَعْنَى لَهَا قِيلَ لَهُ: فَقَدْ رَأَيْنَا أَشْيَاءَ قَدْ سَمَّاهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَّارَةً تَجِبُ عَلَى الْفَاعِلِينَ فِي أَفْعَالِهِمْ بَدْءًا، وَتَجِبُ عَلَيْهِمْ فِي أَفْعَالِهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ فَمِنْ ذَلِكَ ما: 1739- قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ، عَنْ عُبَادَةَ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَجْلِسٍ، فَقَالَ: " تُبَايِعُونِي عَلَى أَلا تُشْرِكُوا بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ شَيْئًا، وَلَا تَسْرِقُوا، وَلَا تَزْنُوا، فَمَنْ وَفَّى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْهَا شَيْئًا فَعُوقِبَ عَلَيْهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَستَرَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ، وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ " فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الزِّنَى وَالسَّرِقَةَ إِذَا كَانَا مِنْ رَجُلٍ، ثُمَّ لَقِيَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَبْلَ أَنْ يُقَامَ عَلَيْهِ فِيهِمَا مَا أَوْجَبَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمَا، فَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ، وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ وَهَذَا الْحُكْمُ جَارٍ فِي الزِّنَى كُلَّمَا كَانَ مِنَ الزَّانِي، وَفِي السَّرِقَةِ كُلَّمَا كَانَ مِنَ السَّارِقِ، وَلَمْ يَرْتَفِعِ الْحَدُّ الَّذِي هُوَ كَفَّارَةٌ عَنْ مُصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كُلَّمَا أَصَابَهُ، وَلَمْ يَفْتَرِقْ حُكْمُهُ فِي إِصَابَتِهِ إِيَّاهُ عَائِدًا، وَحُكْمُهُ فِي إِصَابَتِهِ إِيَّاهُ مُبْتَدِئًا، فَعَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ سَائِرَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي قَدْ جُعِلَتْ لَهَا كَفَّارَاتٌ أَنَّهُ كَذَلِكَ، وَأَنَّ حُكْمَ الْكَفَّارَاتِ الْوَاجِبَةِ عَلَى مُصِيبِيهَا فِي الِابْتِدَاءِ هُوَ حُكْمٌ لَازِمٌ لَهُمْ، وَاجِبٌ عَلَيْهِمْ فِي إِصَابَتِهِمْ إِيَّاهَا فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ}، فَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى مَعْنَى: فَيَنْتَقِمُ مِنْهُ إِنْ شَاءَ أَنْ يَنْتَقِمَ مِنْهُ، لِأَنَّ أَحْكَامَ الْوَعِيدِ بِالْعُقُوبَاتِ كَذَلِكَ كَانَتْ عِنْدَ الْعَرَبِ، إِنْ شَاءَ الَّذِي أَوْعَدَ بِهَا أَنْجَزَهَا، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهَا، فَلَمْ يُنْجِزْهَا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَفِي حَدِيثِ عُبَادَةَ الَّذِي ذَكَرْتَ الشِّرْكُ، فَتَكُونُ الْعُقُوبَةُ عَلَى الشِّرْكِ كَفَّارَةٌ مِنَ الشِّرْكِ قِيلَ لَهُ: لَيْسَتِ الْعُقُوبَةُ عَلَى الشِّرْكِ كَفَّارَةً لِلشِّرْكِ، وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ أَصَابَ مِنْهَا شَيْئًا "، لَيْسَ عَلَى كُلِّ مَا فِيهَا، إِنَّمَا هُوَ عَلَى بَعْضِ مَا فِيهَا كَمَا قَالَ جَلَّ وَعَزَّ: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ}، وَإِنَّمَا يَخْرُجُ مِنْ أَحَدِهِمَا، لَا مِنْهُمَا جَمِيعًا، وَكَمَا قَالَ: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ}، وَإِنَّمَا الرُّسُلُ مَنَ الْإِنْسِ خَاصَّةً، لَا مِنَ الْجِنِّ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَمَنْ أَصَابَ مِنْهَا شَيْئًا "، هُوَ عَلَى مَا سِوَى الشِّرْكِ مِنْهَا فَإِنْ قَالَ: وَمَا الدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ؟ قِيلَ لَهُ: قَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عُبَادَةَ أَبُو الْأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيُّ بِمَا هُوَ أَدَلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى مِمَّا رَوَاهُ أَبُو إِدْرِيسَ عَنْ عُبَادَةَ عَلَيْهِ، كَما: 1740- قَدْ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ الرَّقِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: " أَخَذَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا كَمَا أَخَذَ عَلَى النِّسَاءِ فِي الْقُرْآنِ: {يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ}، الْآيَةَ فَمَنْ أَصَابَ مِنْكُمْ حَدًّا فَعُجِّلَتْ عُقُوبَتُهُ فَهُوَ كَفَّارَتُهُ، وَمَنْ أُخِّرَ عَنْهُ فَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ إِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ " فَعَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَمَنْ أَصَابَ مِنْكُمْ حَدًّا "، أَنَّ ذَلِكَ الْحَدَّ هُوَ الْأَشْيَاءُ الَّتِي دُونَ الشِّرْكِ، فِيمَا لَهَا حُدُودٌ جُعِلَتْ كَفَّارَاتٌ لَهَا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ أُخِّرَ عَنْهُ فَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ، وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ " وَالشِّرْكُ لَا يَدْخُلُ فِي هَذَا الْمَعْنَى لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} فَلَمَّا كَانَ الشِّرْكُ خَارِجًا مِنْ قَوْلِهِ: " وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَأُخِّرَ عَنْهُ "، كَانَ أَيْضًا خَارِجًا مِنْ قَوْلِهِ: " فَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ ". 1741- وَقَدْ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ يَحْيَى الْمُزَنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ، عَنْ عُبَادَةَ، قَالَ: " أَخَذَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا أَخَذَ عَلَى النِّسَاءِ، أَلَّا نُشْرِكَ بِاللهِ شَيْئًا، وَلَا تَسْرِقُوا، وَلَا تَزْنُوا، وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ، وَلَا يَعْضَهُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَلَا تَعْصُونِي فِي مَعْرُوفٍ أَمَرْتُكُمْ بِهِ، فَمَنْ أَصَابَ مِنْكُمْ مِنْهُنَّ وَاحِدَةً، فَعُجِّلَتْ عُقُوبَتُهُ، فَهُوَ كَفَّارَةٌ، وَمَنْ أُخِّرَتْ عُقُوبَتُهُ، فَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، إِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ " سَمِعْتُ الْمُزَنِيَّ يَقُولُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: مَنْ كَذَبَ عَلَى أَخِيهِ فَقَدْ عَضَهَهُ فَفِي هَذَا مَا قَدْ دَلَّ أَنَّ الشِّرْكَ خَارِجٌ مِمَّا أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: " فَمَنْ أَصَابَ مِنْهُنَّ وَاحِدَةً، فَعُجِّلَتْ عُقُوبَتُهُ، فَهُوَ كَفَّارَتُهُ "، إِذْ كَانَ قَدْ قَالَ فِيهِ: " وَمَنْ أُخِّرَتْ عُقُوبَتُهُ، فَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ، وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ "، وَالشِّرْكُ مِمَّا لَا يُغْفَرُ فَعَلِمْنَا بِذَلِكَ أَنَّ الذُّنُوبَ الْمَقْصُودَ إِلَى أَنَّ إِقَامَةَ عُقُوبَتِهَا عَلَى مُصِيبِيهَا كَفَّارَةٌ لَهَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ، هِيَ الذُّنُوبُ الَّتِي يَجُوزُ أَنْ تُغْفَرَ دُونَ الذُّنُوبِ الَّتِي لَا يَجُوزُ أَنْ تُغْفَرَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ فِي تَأْوِيلِ الْعَوْدِ الْمَذْكُورِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ إِصَابَةُ الصَّيْدِ فِي الْإِحْرَامِ، وَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْإِصَابَةُ بَدْءًا كَما: 1742- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: مَا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ}؟ قَالَ " مَا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ}، قَالَ: فِي الْإِسْلَامِ وَعَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ الْكَفَّارَةُ " قُلْتُ: فَهَلْ عَلَيْهِ فِي الْعَوْدِ مِنْ حَدٍّ؟ قَالَ: " لَا " قُلْتُ: فَهَلْ لِلْإِمَامِ أَنْ يُعَاقِبَهُ؟ قَالَ: " لَا، إِنَّمَا هُوَ ذَنْبٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ " وَهَذَا التَّأْوِيلُ عَلَى مَذْهَبِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ فِي حَدِيثِ قَبِيصَةَ بْنِ جَابِرٍ، وَعَلَى مَذْهَبِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فِي تَرْكِهِمْ كَشْفَ الَّذِينَ سَأَلُوهُمْ عَنْ قَتْلِ الصَّيْدِ، هَلْ كَانُوا أَصَابُوا قَبْلَ ذَلِكَ صَيْدًا أَمْ لَا؟ لِاسْتِوَاءِ الْحُكْمِ كَانَ فِي ذَلِكَ عِنْدَهُمْ، وَلِأَنَّ مُبْتَدِئَهُ عَامِدًا فِيمَا كَانَ مَعْفُوًّا عَنْهُ عَمَّا سَلَفَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ قَتْلِ الصَّيْدِ وَإِنْ كَانَ أُولَئِكَ الْقَائِلُونَ لَيْسُوا مِمَّنْ أَدْرَكَ الْجَاهِلِيَّةَ، وَلَا مِمَّنْ قَتَلَ الصَّيْدَ فِيهَا وَهَذَا كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ} ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا، أَيْ لِمَا كَانُوا يَقُولُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِمَّا قَدْ جَعَلْتُ {مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} فَكَانَ كُلُّ قَائِلِ ذَلِكَ الْقَوْلَ عَامِدًا فِيمَا نَهَى الله عَزَّ وَجَلَّ، وَوَاجِبٌ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ الَّتِي أَوْجَبَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ، وَذَكَرَهَا فِي آيَةِ الظِّهَارِ، وَإِنْ كَانَ الْعَوْدُ الْمَذْكُورُ فِي آيَةِ الظِّهَارِ أَيْضًا مُخْتَلَفًا فِي الْمُرَادِ بِهِ مَا هُوَ، فَإِنَّا إِنَّمَا ذَكَرْنَا هَذَا الْقَوْلَ مِمَّا قَدْ قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ، وَاسْتَشْهَدْنَا بِهِ إِذْ كَانَ هُوَ الَّذِي يُذْهَبُ إِلَيْهِ مِمَّا قَدْ قَالُوهُ فِي ذَلِكَ، وَمَعَ ذَلِكَ أَقْوَالٌ أُخَرُ تُخَالِفُ هَذَا الْقَوْلَ، وَاحْتِجَاجَاتٌ كَثِيرَةٌ أُخِّرَ ذِكْرُهَا هَاهُنَا إِلَى أَنْ يَأْتِيَ مَوْضِعُهَا فِي كِتَابِنَا هَذَا إِنْ شَاءَ اللهُ.
قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ}، إِلَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا إِلَى قَوْلِهِ: فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْمُرَادِ بِهَذِهِ الْبُدْنِ، وَبِهَذِهِ الْبَهِيمَةِ مِنَ الْأَنْعَامِ الْمَذْكُورَتَيْنِ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ، فَكَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ: كُلُّ هَدْيٍ وَاجِبٍ لَيْسَ بِكَفَّارَةٍ، وَلِإِسَاءَةٍ كَانَتْ مِنْ مُهْدِيهِ أُوجِبَ ذَلِكَ الْهَدْيُ، فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ، كَهَدْيِ الْمُتْعَةِ، وَكَهَدْيِ الْقِرَانِ، وَكَهَدْيِ التَّطَوُّعِ إِذَا بَلَغَ مَحِلَّهُ، وَكُلُّ هَدْيٍ مِنْ هَدَايَا التَّطَوُّعِ لَمْ يَبْلُغْ مَحِلَّهُ فَلَيْسَ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ، وَكُلُّ هَدْيٍ يَكُونُ كَفَّارَةً لِإِسَاءَةٍ كَانَتْ مِنْ مُهْدِيهِ، أَوْجَبَتْ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْهَدْيَ فِي الْإِحْرَامِ، وَعَنْ تَرْكِ بَعْضِ الْمَنَاسِكِ الَّتِي تَجِبُ عَلَى تَارِكِهَا الدِّمَاءُ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ منهم أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يِوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، كَمَا حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَمْ يَحْكِ فِي ذَلِكَ خِلَافًا بَيْنَهُمْ وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ: يُؤْكَلُ مِنَ الْهَدَايَا كُلِّهَا إِلَّا جَزَاءَ الصَّيْدِ، وَنُسُكَ الْأَذَى، وَنَذْرَ الْمَسَاكِينَ، وَهَدْيَ التَّطَوُّعِ إِذَا قَصَرَ عَنْ بُلُوغِ مَحِلَّهُ، وَعَطِبَ دُونَ ذَلِكَ وَمِمَّنْ كَانَ يَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ مِنْهُمْ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ: مَا كَانَ منَ الْهَدَايَا الْمُتَطَوَّعِ بِهَا فَلِمُهْدِيهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا، وَمَا كَانَ مِنَ الْهَدَايَا عَنِ الْإِسَاءَاتِ، وَعَنِ التَّمَتُّعِ، وعن القران، وعن قتل الصيد، وعما سوى ذلك مما يصيبه المحرم في إحرامه، فإنه ليس لمن أهدى تلك الهدايا، أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا شَيْئًا وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ مِنْهُمُ الشَّافِعِيُّ وَلَمَّا اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ نَظَرْنَا فِي ظَاهِرِ الْآيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ تَلَوْنَا، فَكَانَ الظَّاهِرُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ}، الْأَكْلَ مِنْ جَمِيعِ الْهَدَايَا، إِذْ لَمْ يُذْكَرْ فِي ذَلِكَ خَاصٌّ مِنَ الْهَدَايَا، فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ بَاطِنُ الْآيَةِ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ بَاطِنُهَا كَظَاهِرِهَا فَوَجَدْنَا أَهْلَ الْعِلْمِ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي هَدْيِ التَّطَوُّعِ إِذَا بَلَغَ مَحِلَّهُ، أَنَّهُ مُبَاحٌ لِمُهْدِيهِ الْأَكْلُ مِنْهُ، وَأَنَّهُ مِمَّا قَدْ دَخَلَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَوَجَدْنَاهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ وَالنُّذُورِ أَنَّ مُهْدِي ذَلِكَ لَا يَأْكُلُ مِنْهُ، وَأَنَّهُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْهَدَايَا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُمْ فِي كِتَابِنَا هَذَا فَالْتَمَسْنَا الْوَجْهَ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ ذَلِكَ، مِنَ السُّنَّةِ الْمَأْثُورَةِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدْنَا: 1743- أَبَا أُمَيَّةَ مُحَمَّدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ. 1743- قَدْ حَدَّثَنَا، قَالَ: حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ سَلَمَةَ الْخُزَاعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ لَمْ يَحُجَّ، ثُمَّ أَذَّنَ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ، فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلَبِّي، وَانْطَلَقْنَا لَا نَعْرِفُ إِلَّا الْحَجَّ لَهُ، خَرَجْنَا، فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ، وَفَرَغَ مِنَ الطَّوَافِ، قَالَ: " مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحِلَّ بِعُمْرَةٍ، فَإِنِّي لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الْهَدْيَ، وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً " قَالَ جَابِرٌ: وَقَدِمَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مِنَ الْيَمَنِ وَالنَّاسُ حَالُّونَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بِأَيِّ شَيْءٍ أَهْلَلْتَ؟ " قَالَ: قُلْتُ: اللهُمَّ إِنِّي أُهِلُّ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُكَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَعِيَ الْهَدْيُ فَلَا نُحْلِلْ " وَكَانَ عَلِيٌّ قَدِمَ مِنَ الْيَمَنِ بِهَدْيٍ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ جَمَاعَةُ الْهَدْيِ الَّذِي قَدِمَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلِيٌّ مِنَ الْيَمَنِ مِائَةُ بَدَنَةٍ، فَنَحَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بِيَدِهِ، وَنَحَرَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ سَبْعًا وَثَلَاثِينَ، وَأَشْرَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا فِي هَدْيِهِ، ثُمَّ أَخَذَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بَضْعَةً، فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ، فَأَكَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ لَحْمِهَا، وَحَسَا مِنْ مَرَقِهَا فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَكْلُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَدْيِهِ عَنْ مُتْعَتِهِ، وَعَنْ تَطَوُّعِهِ الَّذِي زَادَهُ عَلَى الْوَاجِبِ عَلَيْهِ فِي مُتْعَتِهِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي رُوِّيتُهُ عَنْ جَابِرٍ مَا يَدُلُّ عَنْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ كَانُوا مَعَهُ فِي ذَلِكَ الْإِحْرَامِ فِي حُرْمَةِ حَجٍّ، لَا فِي حُرْمَةِ مَا سِوَاهُ مِنْ تَمَتُّعٍ، وَلَا مِنْ غَيْرِهِ فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّ هَدَايَاهُ وَهَدَايَا عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الَّتِي كَانَتْ مِنْهُمَا فِي ذَلِكَ لَمْ تَكُنْ عَنْ مُتْعَةٍ، وَأَنَّهَا كَانَتْ تَطُوُّعًا، وَلَسْنَا نُخَالِفُكَ فِي هَدْيِ التَّطَوُّعِ إِذَا بَلَغَ مَحِلَّهُ أَنَّهُ يُؤْكَلُ مِنْهُ قِيلَ لَهُ: إِنَّمَا بَيَّنَّا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُتَمَتِّعًا فِي إِحْرَامِهِ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ كَذَلِكَ كَانَ دُخُولُهُ فِي الْإِحْرَامِ لِيَكُونَ مُتَمَتِّعًا بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ، لَا لِيَكُونَ مُفْرِدًا بِالْحَجِّ بِمَا قَدْ رُوِّينَاهُ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ حَفْصَةَ ابْنَةِ عُمَرَ، أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا بَالُ النَّاسِ حَلُّوا، وَلَمْ تَحْلِلْ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ؟ فَقَالَ: " إِنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي، وَقَلَّدْتُ هَدْيِي، فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ " وَأَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ إِحْرَامَهُ كَانَ بِعُمْرَةٍ أَرَادَ بِهَا مُتْعَةً، وَسَاقَ لَهَا الْهَدْيَ، فَمَنَعَهُ ذَلِكَ مِنَ الإِحْلالِ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَبَيْنَ الْحَجَّةِ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا قَدْ حَفِظَتْهُ عَنْهُ حَفْصَةُ ابْنَةُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، وَلَمْ يَحْفَظْهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَنْهُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي حَكَاهُ جَابِرٌ عَنْهُ مَا رَآهُ مِنْ ظَاهِرِ فعِلْهِ، وَمَا حَمَلَ عَلَيْهِ أَمْرَهُ مِمَّا كَانَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ ذَلِكَ مِنَ الْحَجِّ، لا عَلَى الْعُمْرَةِ الَّتِي لَمْ تَكُنْ يَعْرِفُهَا جَابِرٌ قَبْلَ ذَلِكَ فَكَانَ الْمَحْكِيُّ فِي ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ وَأَحْدَاثِ حُكْمِ الْعُمْرَةِ أَوْلَى مِمَّا سِوَاهُ مِمَّا قَدْ ذَكَرْنَا وَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّ الْهَدْيَ الَّذِي كَانَ سَاقَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَانَ مَنَعَهُ مِنَ الإِحْلالِ الَّذِي قَدْ كَانَ أَحَلَّهُ غَيْرُهُ بَيْنَ الإِحْرَامِ الأَوَّلِ، وَبَيْنَ الإِحْرَامِ الثَّانِي اللَّذَيْنِ كَانَا مِنْهُ، وَكَانَ هَدْيُ التَّطَوُّعِ غَيْرَ مَانِعٍ أَحَدًا مِنَ الإِحْلالِ الَّذِي كَانَ يَحِلُّهُ لَوْ لَمْ يَسُقْ هَدْيًا، ثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُتَمَتِّعًا، وَأَنَّ الْهَدْيَ الَّذِي أَهْدَاهُ كَانَ أَوْ بَعْضُهُ عَنْ مُتْعَةٍ وَكَذَلِكَ مَا كَانَ فِي ذَلِكَ مِمَّا كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَهْدَاهُ مَعَهُ، قَدْ وَجَدْنَا التَّطَوُّعَ مِنَ الْهَدَايَا إِنَّمَا يَبْعَثُ بِهِ صَاحِبُهُ، فَيَكُونُ بِبَعْثِهِ بِهِ مُوجِبًا لَهُ تَطَوُّعًا، وَيَكُونُ الْهَدْيُ بِذَلِكَ قَدْ وَجَبَ فِي عَيْنِهِ، فَكَانَ مَعْنَى التَّطَوُّعِ مَا أَوْجَبَهُ صَاحِبُهُ مِمَّا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ، فَصَارَ وَاجِبًا، فَلَمْ يُمْنَعْ مُوجِبُهُ مِنَ الأَكْلِ مِنْهُ لِوُجُوبِهِ هَدْيًا وَكَانَ الْهَدْيُ عَنِ النَّذْرِ، وَالْهَدْيُ عَنِ الصَّيْدِ لا يُؤْكَلُ مِنْهُمَا وَكَانَ الاخْتِلافُ بَيْنَهُمْ فِي هَدْيِ الْقِرَانِ، وَهَدْيِ الْمُتْعَةِ، وَهَدْيِ الْجِمَاعِ، أَنْ يُؤْكَلَ مِنْهَا أَمْ لا؟ فَكَانَ هَدْيُ الْمُتْعَةِ وَهَدْيُ الْقِرَانِ بِهَدْيِ التَّطَوُّعِ أَشْبَهَ مِنْهُمَا بِمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْهَدَايَا، إِذْ كَانَ هَذَانِ الْهَدْيَانِ إِنَّمَا يَجِبَانِ بِأَفْعَالٍ غَيْرِ مَنْهِيٍّ عَنْهَا كَالْهَدْيِ عَنِ التَّطَوُّعِ الَّذِي يَصِيرُ هَدْيًا، وَيَجِبُ بِفِعْلٍ غَيْرِ مَنْهِيٍّ عَنْهُ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ كَهَدْيِ النَّذْرِ، لأَنَّ هَدْيَ النَّذْرِ إِنَّمَا يَكُونُ شُكْرًا لِشَيْءٍ مُتَقَدِّمٍ يُرَادُ بِهِ أَنْ يَكُونَ جَزَاءً لَهُ، كَقَوْلِ الرَّجُلِ: إِنْ بَلَّغَنِي اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الْحَجَّ فَلَهُ عَلَيَّ أَنْ أَهْدِيَ بَدَنَةً، أَوْ كَقَوْلِهِ: إِنْ قَضَى الله عَزَّ وَجَلَّ عَنِّي الدَّيْنَ الَّذِي عَلَيَّ فَلَهُ عَلَيَّ أَنْ أَهْدِيَ بَدَنَةً فَيُبَلَّغُ الْحَجَّ، وَيُقْضَى عَنْهُ الدَّيْنُ، فَتَجِبُ الْبَدَنَةُ عَلَيْهِ شُكْرًا هَدْيًا لِمَا تَقَدَّمَهَا فَأَشْبَهَتِ الْعِوَضَ عَنِ الأَشْيَاءِ الَّتِي يُتَعَوَّضُ بِهَا وَكَانَ هَدْيُ الْجِمَاعِ بِهَدْيِ جَزَاءِ الصَّيْدِ أَشْبَهَ مِنْهُ بِهَدْيِ التَّطَوُّعِ، إِذْ كَانَتْ إِصَابَةُ الصَّيْدِ مَنْهِيًّا عَنْهَا فِي الإِحْرَامِ، وَإِصَابَةُ الْجِمَاعِ مَنْهِيًّا عَنْهَا فِي الإِحْرَامِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُؤْكَلَ مِنْ ذَلِكَ كَمَا لا يَجُوزُ أَنْ يُؤْكَلَ مِنْ نَظِيرِهِ مِنَ الْهَدَايَا وَأَمَّا هَدْيُ التَّطَوُّعِ إِذَا عَطِبَ دُونَ مَحِلِّهِ، فَإِنَّهُ قَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي أَكْلِ الَّذِي أَهْدَاهُ، هَلْ ذَلِكَ مُبَاحٌ لَهُ أَمْ لا؟ فَكَانَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ تَقُولُ: لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ مُبَاحٌ، وَهُوَ مِنْهُ مَمْنُوعٌ وَمِمَّنْ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَالشَّافِعِيُّ وَأَمَّا مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ ذَلِكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ، فَكَمَا حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَمْ يَحْكِ فِي ذَلِكَ خِلافًا بَيْنَهُمْ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ كَمَا: 1744- حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " مَنْ أَهْدَى هَدْيًا تَطَوُّعًا فَعَطِبَ، فَلْيَنْحَرْهُ، ثُمَّ لْيَغْمِسْ نَعْلَهُ فِي دَمِهِ، ثُمَّ لْيَضْرِبْ بِهَا جَنْبَهُ، وَلا يَأْكُلْ مِنْهُ شَيْئًا، فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ غُرِّمَ " وَكَانَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ تَقُولُ: لا بَأْسَ عَلَى مُهْدِيهِ بِالأَكْلِ مِنْهُ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، وَعَنْ عَائِشَةَ، كَمَا: 1745- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: " عَطِبَتْ بَدَنَةٌ لابْنِ عُمَرَ تَطَوُّعًا، فَنَحَرَهَا وَأَكَلَهَا، وَلَمْ يُهْدِ مَكَانَهَا ". 1746- وَكَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ، أَنَّ عَائِشَةَ، قَالَتْ: " كُلُوهُ، وَلا تَدَعُوهُ لِلْكِلابِ وَالسِّبَاعِ، فَإِنْ كَانَ وَاجِبًا فَأَهْدُوا مَكَانَهُ هَدْيًا آخَرَ، وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا فَإِنْ شِئْتُمْ فَأَهْدُوا، وَإِنْ شِئْتُمْ فَلا تُهْدُوا " وَلَمَّا اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ نَظَرْنَا فِي السُّنَنِ الْمَأْثُورَةِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هَلْ نَجِدُ فِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ؟ فَوَجَدْنَا: 1747- يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، قَدْ حَدَّثَنَا، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَنَّ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ، أَخْبَرَهُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ صَاحِبَ هَدْيِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ أَصْنَعُ بِمَا عَطِبَ مِنَ الْهَدْيِ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " انْحَرْهَا، ثُمَّ أَلْقِ قَلائِدَهَا فِي دَمِهَا، ثُمَّ خَلِّ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّاسِ يَأْكُلُونَهَا "، وَوَجَدْنَا: إِسْمَاعِيلَ بْنَ يَحْيَى الْمُزَنِيَّ. 1748- قَدْ حَدَّثَنَا، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ نَاجِيَةَ صَاحِبِ بُدْنِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ فَكَانَ الَّذِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ نَاجِيَةَ بِالتَّخْلِيَةِ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَ مَا عَطِبَ مِنْ بُدْنِهِ بَعْدَ نَحْرِهِ إِيَّاهُ، وَإِلْقَائِهِ قَلائِدَهُ، وَضَرْبِهِ بِهَا صَفْحَتَهُ لِيَدُلَّ ذَلِكَ مَنْ رَآهُ عَلَى أَنَّهُ هَدْيٌ مُبَاحٌ لَهُ أَكْلُهُ إِنْ كَانَ ذَا حَاجَةٍ وَفَقْرٍ إِلَى ذَلِكَ مِنْهُ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَى مَنْعِ مُهْدِيهِ مِنَ الأَكْلِ مِنْهُ لَوْ كَانَ حَاضِرًا، أَوْ إِبَاحَتِهِ إِيَّاهُ فَنَظَرْنَا فِيمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِوَى ذَلِكَ أَنْ نَجِدَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ، فَوَجَدْنَا: 1749- عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُغِيرَةِ. 1749- قَدْ حَدَّثَنَا، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ شَيْبَانَ بْنِ سَلَمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ ذُؤَيْبًا أَبَا قَبِيصَةَ بْنَ ذُؤَيْبٍ، حَدَّثَهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَبْعَثُ مَعَهُ الْبُدْنَ، فَيَقُولُ: " إِنْ عَطِبَ مِنْهَا شَيْءٌ فَخَشِيتَ عَلَيْهِ، فَانْحَرْهَا، وَاغْمِسْ نَعْلَهَا فِي دَمِهَا، وَاضْرِبْ بِهِ صَفْحَتَهَا، وَلَا تَأْكُلْ مِنْهَا أَنْتَ وَلا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ رِفْقَتِكَ " وَوَجَدْنَا: 1750- مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، أَيْضًا، قَدْ حَدَّثَنَا، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ سِنَانِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَبْعَثُ بِبُدْنِهِ مَعَ ذُؤَيْبٍ الْخُزَاعِيِّ، وَيَأْمُرُهُ إِذَا عَطِبَ مِنْهَا شَيْءٌ، أَوْ خَشِيَ عَلَيْهِ، أَنْ يَنْحَرَهَا، وَيَغْمِسَ نَعْلَهَا فِي دَمِهَا، وَيَضْرِبَ بِهَا صَفْحَتَهَا، وَلا يَأْكُلْ هُوَ مِنْهَا، وَلا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ رِفْقَتِهِ " وَوَجَدْنَا: 1751- مُحَمَّدُ بْنُ خزيةَ، أَيْضًا، قَدْ حَدَّثَنَا، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو التِّيَّاحِ، عَنْ مُوسَى بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ: حَجَجْتُ أَنَا وَسِنَانُ بْنُ سَلَمَةَ، وَمَعَ سِنَانٍ بَدَنَةٌ، فَأَزْحَفَتْ عَلَيْهِ، فَعَيِيَ بِهَا، فَقُلْتُ: لَئِنْ قَدِمْتُ مَكَّةَ عَنْ عِلْمِ هَذَا فَلَمَّا قَدِمْنَا قُلْتُ: انْطَلِقْ بِنَا إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ، وَعِنْدَهُ جَارِيَةٌ، فَقُلْتُ: كَانَتْ مَعَنَا بَدَنَةٌ، فَأَزْحَفَتْ عَلَيْنَا؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبُدْنِ مَعَ فُلانٍ، فَأَمَرَهُ فِيهَا بِأَمْرِهِ، فَلَمَّا فَقَأَ رَجَعَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا أَصْنَعُ بِمَا أَزْحَفَ عَلَيَّ مِنْهَا؟ قَالَ: " انْحَرْهَا، وَاصْبُغْ نَعْلَهَا فِي دَمِهَا، وَاضْرِبْهُ عَلَى صَفْحَتِهَا، وَلا تَأْكُلْ مِنْهَا أَنْتَ، وَلا أَهْلُ رِفْقَتِكَ " وَوَجَدْنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُدَ. 1752- قَدْ حَدَّثَنَا، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ التَّنُّورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو التِّيَّاحِ، عَنْ مُوسَى بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ: انْطَلَقْتُ أَنَا وَسِنَانُ بْنُ سَلَمَةَ مُعْتَمِرَيْنِ، وَانْطَلَقَ سِنَانُ مَعَهُ بَدَنَةٌ يَسُوقُهَا، فَأَزْحَفَتْ عَلَيْهِ فِي الطَّرِيقِ، فَبَعَثَنِي بِشَأْنِهَا، فَقُلْتُ: لَئِنْ قَدِمْتُ الْبَلَدَ لَأَسْتَحْفِيَنَّ عَنْ ذَلِكَ فَلَمَّا نَزَلْنَا الْبَطْحَاءَ، قَالَ: انْطَلِقْ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَانْطَلَقْنَا، فَذَكَرَ لَهُ شَأْنَ بَدَنَتِهِ، فَقَالَ: عَلَى الْخَبِيرِ سَقَطْتَ، بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسِتِّ عَشْرَةَ بَدَنَةً مَعَ رَجُلٍ، وَأَمَرَهُ فِيهَا، فَمَضَى ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ أَصْنَعُ بِمَا أَبْدَعَ عَلَيَّ مِنْهَا؟ قَالَ: " انْحَرْهَا، ثُمَّ اصْبُغْ نَعْلَهَا فِي دَمِهَا، ثُمَّ اجْعَلْهُ عَلَى صَفْحَتِهَا، وَلا تَأْكُلْ مِنْهَا أَنْتَ، وَلا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ رِفْقَتِكَ ". 1753- وَوَجَدْنَا الْمُزَنِيَّ، قَدْ حَدَّثَنَا، قَالَ: حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو التِّيَّاحِ، عَنْ مُوسَى بْنِ سَلَمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مَعَ رَجُلٍ بِثَمَانِيَ عَشْرَةَ بَدَنَةً، فَأَمَرَهُ فِيهَا بِأَمْرِهِ، فَانْطَلَقَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ أُزْحِفَتْ عَلَيَّ شَيْءٌ مِنْهَا؟ قَالَ: " انْحَرْهَا، ثُمَّ اصْبُغْ نَعْلَهَا فِي دَمِهَا، ثُمَّ اجْعَلْهَا عَلَى صَفْحَتِهَا، وَلا تَأْكُلْ مِنْهَا أَنْتَ، وَلا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ رِفْقَتِكَ " فَفِي هَذِهِ الآثَارِ مَنْعُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولَهُ بِبُدْنِهِ منْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا شَيْئًا كَمَا فِي الْحَدِيثِ الأَوَّلِ الَّذِي رَوَاهُ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ زِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ، وَهِيَ مَنْعُهُ أَهْلَ رِفْقَتِهِ مِنَ الأَكْلِ مِنْهَا أَيْضًا فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مَنْعُهُ ذُؤَيْبًا الْخُزَاعِيَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا شَيْئًا، لأَنَّهُ كَانَ غَنِيًّا عَنْ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ يَحْتَمِلُ أَيْضًا مَنْعُهُ مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ رِفْقَتِهِ مِنْ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْهَا شَيْئًا، لأَنَّهُمْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ عَنْ ذَلِكَ، فَمَنَعَهُ وَمَنَعَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ لِغَنَائِهِ وَغَنَائِهِمُ الَّذِي قَدْ عَلِمَهُ مِنْهُ وَمِنْهُمْ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ لِلْحِلْفِ الَّذِي كَانَ بَيْنَ خُزَاعَةَ وَبَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ لَمَّا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى مَوَالِي بَنِي هَاشِمٍ مِنَ الصَّدَقَةِ مِثْلَ الَّذِي حَرَّمَ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ، وَقَالَ مَعَ ذَلِكَ: إِنَّ مَوَالِي الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَجَعَلَ مَوَالِيهِمْ فِي حُرْمَةِ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِمْ كَهُمْ أَنْفُسِهِمْ وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ بِأَسَانِيدِهِ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ مِنْ كُتُبِنَا هَذِهِ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ، فَأَغْنَانَا ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ هَاهُنَا وَإِذَا كَانَ مَوَالِيهِمْ قَدْ دَخَلُوا فِي الَّذِي حَرُمَ عَلَيْهِمْ مِنَ الصَّدَقَاتِ، لأَنَّهُمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، دَخَلَ حُلَفَاؤُهُمْ أَيْضًا فِي الَّذِي حَرُمَ عَلَيْهِمْ مِنْهَا، لأَنَّهُمْ أَيْضًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ. 1754- فَإِنَّ يُونُسَ، قَدْ حَدَّثَنَا، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خَثْيَمَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ رِفَاعَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لِعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: " يَا عُمَرُ، اجْمَعْ لِي قَوْمَكَ "، فَجَمَعَهُمْ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ جَمَعْتُهُمْ، فَيَدْخُلُونَ عَلَيْكَ أَوْ تَخْرُجُ إِلَيْهِمْ؟ قَالَ: " بَلْ أَخْرُجْ عَلَيْهِمْ " فَسَمِعَتِ الأَنْصَارُ بِذَلِكَ وَالْمُهَاجِرُونَ، فَقَالُوا: لَقَدْ جَاءَ فِي قُرَيْشٍ وَحْيٌ، فَحَضَرَ النَّاظِرُ وَالْمُسْتَمِعُ مَا يُقَالُ لَهُمْ، فَقَامَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، فَقَالَ: " هَلْ فِيكُمْ غَيْرُكُمْ؟ " قَالُوا: نَعَمْ، حُلَفَاؤُنَا، وَأَبْنَاءُ إِخْوَانِنَا، وَمَوَالِينَا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حُلَفَاؤُنَا وَأَبْنَاءُ إِخْوَانِنَا وَمَوَالِينَا مِنَّا، أَنْتُمْ تَسْمَعُونَ، أَوْلِيَائِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُتَّقُونَ، فَإِنْ كُنْتُمْ أُولَئِكَ فَذَاكَ وَإِلا فَانْصُرُوا، لا يَأْتِينِي النَّاسُ بِالأَعْمَالِ وَتَأْتُونِي بِالأَثْقَالِ، فَيُعْرَضُ عَنْكُمْ " ثُمَّ نَادَى، فَرَفَعَ صَوْتَهُ: " إِنَّ قُرَيْشًا أَهْلُ إِمَامَةٍ، مَنْ بَغَاهُمُ الْعَوَائِرَ كَبَّهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمِنْخَرِهِ "، قَالَهَا ثَلاثًا أَفَلَا تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَدْ جَعَلَ حُلَفَاءَهُمْ مِنْهُمْ، وَأَقَامَهُمْ فِي ذَلِكَ كَالْمَقَامِ الَّذِي أَقَامَ مَوَالِيهِمْ فِيهِ فَكَذَلِكَ يَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ جَعَلَهُمْ بِالْحِلْفِ فِي تَحْرِيمِ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِمْ كَبَنِي هَاشِمٍ فِي تَحْرِيمِ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِمْ وَعَلَى أَيِّ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ كَانَ مُرَادُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذُؤَيْبٍ الْخُزَاعِيِّ فِيمَا ذَكَرْنَا، فَلَمْ يُخْرِجْ ذَلِكَ مَنْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ، وَفِي تَحْرِيمِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ وُجُوبُ حُرْمَةِ ذَلِكَ عَلَى مُهْدِيهِ، إِذْ كَانَتِ الْقُرَبُ الْمُبَاحُ أَكْلُهَا كَالضَّحَايَا وَمَا أَشْبَهَهَا، غَيْرَ مَمْنُوعٍ مَنْ تَقَرَّبَ بِهَا مِنْ أَكْلِهَا، وَغَيْرَ مَمْنُوعٍ مَنْ سِوَاهُمْ مِنَ الأَغْنِيَاءِ، وَمِنْ بَنِي هَاشِمٍ مِنْ ذَلِكَ فَدَلَّ مَنْعُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذُؤَيْبًا مِنْ أَكْلِهَا عَلَى حُرْمَةِ أَكْلِهَا عَلَى مَنْ لا تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ مِنْ مُهْدِيهَا، وَلا مِنْ غَيْرِهِمْ فَثَبَتَ بِذَلِكَ مَا رُوِّينَا فِيهِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَبِذَلِكَ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَالشَّافِعِيُّ يَقُولُونَ وَحَدِيثُ ذُؤَيْبٍ الَّذِي ذَكَرْنَا فَإِنَّمَا دَارَ عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، فَفِي قَوْلِهِ ذَلِكَ، وَفِي قَوْلِهِ لِسَائِلِهِ لَمَّا سَأَلَهُ عَنْهُ: " عَلَى الْخَبِيرِ سَقَطْتَ "، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ بِخِبْرَتِهِ الَّتِي قَدْ عَلِمَهَا أَنَّهُ لا يَأْكُلُ مِنْهُ مُهْدِيهِ وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ مَنْعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذُؤَيْبًا وَأَهْلَ رِفْقَتِهِ مِنْ أَكْلِهَا، وَأَمْرَهُ بِالتَّخْلِيَةِ بَيْنَ النَّاسِ سِوَاهُمْ وَبَيْنَهَا، أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَعْجَلُوا عَلَيْهَا فَيَقْطَعُوهَا بَعْدَ نَحْرِهَا قَبْلَ مَوْتِهَا، فَأَرَادَ نَهْيَهُمْ عَنْهَا أَنْ تُتْرَكَ حَتَّى تَمُوتَ قَبْلَ أَنْ تُقْطَعَ فَهَذَا تَأْوِيلٌ عِنْدَنَا غَيْرُ صَحِيحٍ، لأَنَّهُ غَيْرُ مَوْهُومٍ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ هَذَا، وَقَدْ عَلِمُوا سُنَّةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ، وَلا سِيَّمَا مَنْ قَدْ رَآهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْضَعَ أَمَانَةٍ عَلَى رِسَالَتِهِ، وَعَلى سَوْقِ هَدْيِهِ، وَعَلَى نَحْرِهِ، وَعَلَى بُلُوغِ مَحِلَّهُ، وَعَلَى مَوْطِنِ نَحْرِهِ، وَعَلَى مَوْضِعِ لَحْمِهِ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَجِبُ وَضْعُهُ فِيهَا، وَلَوْ كَانَ مُبَاحًا لَهُمْ أَكْلُهَا بَعْدَ مَوْتِهَا لَبَيَّنَ لَهُمْ ذَلِكَ، وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ مِمَّا هُوَ مُبَاحٌ لَهُمْ وَلَقَدْ كَانَ أَمَرَهُمْ بِالصَّبْرِ عَلَيْهَا إِلَى أَنْ تَمُوتَ، لَوْ جَازَ أَنْ يَكُونَ تَقْطِيعُهُمْ إِيَّاهَا قَبْلَ مَوْتِهَا مَوْهُومًا مِنْهُمْ فِيهَا قَبْلَ بُلُوغِ مَحِلِّهَا، لَكَانَ مَوْهُومًا مِنْهُمْ فِيهَا بَعْدَ بُلُوغِ مَحِلِّهَا، وَلَنَهَاهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ نَهْيًا وَاحِدًا وَفِي قَصْدِهِ بِنَهْيِهِمْ عَنْ ذَلِكَ إِلَى أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ فِي الْمَعْنَى الآخَرِ بِخِلافِ ذَلِكَ فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا فِي تَأْوِيلِ مَنْعِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذُؤَيْبًا الْخُزَاعِيَّ مِمَّا مَنَعَهُ، وَاحِدٌ مِمَّا ذَكَرْنَا مِنَ التَّأْوِيلَيْنِ الأَوَّلَيْنِ وَفِي ذَلِكَ مَا يُوجِبُ مَذْهَبَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ فِيهِ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَائِرُ أَهْلِ الرُّفْقَةِ كَانُوا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ كَذُؤَيْبٍ الْخُزَاعِيِّ مِنْهُمْ.
قَالَ اللهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأَنْعَامُ إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ، إِلَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى}، مِنَ الْمُتَشَابِهِ الْمُخْتَلَفِ فِي الْمُرَادِ بِهِ مَا هُوَ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: الْمُرَادُ بِهِ الْبُدْنَ الْمُقَلَّدَةَ وَالْمَنْفَعَةُ فِيهَا الْمُرَادَةُ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ} عِنْدَهُمْ رُكُوبُهَا، وَالشُّرْبُ مِنْ أَلْبَانِهَا، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ صَارَتْ بُدْنًا وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ فِي الْبُدْنِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ كَمَا: 1755- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ بَكَّارُ بْنُ قُتَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ صَاحِبُ الطَّيَالِسَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: " {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى}، قَالَ: إِنِ احْتَاجَ إِلَى ظَهْرِهَا رَكِبَ، وَإِنِ احْتَاجَ إِلَى لَبَنِهَا شَرِبَ "، يَعْنِي: الْبُدْنَ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْمَذْهَبُ أَيْضًا فِي الْبُدْنِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ كَمَا: 1756- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: الْبَدَنَةُ إِذَا احْتَاجَ إِلَيْهَا سَائِقُهَا رَكِبَهَا رُكُوبًا غَيْرَ قَادِحٍ ". 1757- كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: " الْبَدَنَةُ إِذَا احْتَاجَ إِلَيْهَا سَائِقُهَا رَكِبَهَا رُكُوبًا غَيْرَ قَادِحٍ " وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: الْمُرَادُ بِهَذَا {بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ} قَبْلَ أَنْ تُوجَبَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَبْلَ أَنْ تُقَلَّدَ، وَقَبْلَ أَنْ تُجْعَلَ بُدْنًا لأَهْلِهَا، فِيهَا الْمَنَافِعُ الَّتِي تَنْتَفِعُ بِهَا مِنْهَا فَإِذَا قُلِّدَتْ، وَوَجَبَتْ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، حَرُمَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ مِنْهَا إِلا مِنْ ضَرُورَةٍ تَضْطَرُّهُمْ إِلَى ذَلِكَ مِنْهَا. وَالأَجَلُ الْمُسَمَّى الْمُرَادُ عِنْدَهُمْ فِي هَذِهِ الآيَةِ أَنْ تَصِيرَ الْبَهِيمَةُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ هَدْيًا، فَإِذَا صَارَتْ كَذَلِكَ حَرُمَ عَلَى أَهْلِهَا الانْتِفَاعُ بِهَا كَمَا كَانُوا يَنْتَفِعُونَ بِهَا قَبْلَ زَوَالِ إِمْلَاكِهِمْ عَنْهَا وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْمَذْهَبُ أَيْضًا عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَهُوَ خِلافُ الْمَذْهَبِ الأَوَّلِ الَّذِي رُوِّينَاهُ عَنْهُ فِي الْفَصْلِ الأَوَّلِ مِنْ هَذَا الْبَابِ. 1758- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ الزَّهْرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: " لا يَشْرَبُ لَبَنَ الْبَدَنَةِ، وَلا يَرْكَبُهَا إِلا أَنْ يُضْطَرَّ إِلَى ذَلِكَ " وَقَدْ رُوِيَ عَنْ غَيْرِهِ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الآيَةِ هَذَا الْمَذْهَبُ أَيْضًا مِنْهُمْ مُجَاهِدٌ كَمَا: 1759- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، " {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى}، قَالَ: فِي ظُهُورِهَا، وَأَلْبَانِهَا، وَأَصْوَافِهَا، وَأَوْبَارِهَا حَتَّى تَصِيرَ بُدْنًا ". 1760- وَكَمَا حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ. 1761- وَكَمَا حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَبَّانُ بْنُ هِلالٍ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ وَلَمَّا اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الآيَةِ كَمَا ذَكَرْنَا، الْتَمَسْنَا حُكْمَ ذَلِكَ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَيْفَ هُوَ؟ فَوَجَدْنَا: 1762- يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، قَدْ حَدَّثَنَا، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَنَّ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ، حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، " أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلا يَسُوقُ بَدَنَةً، فَقَالَ: ارْكَبْهَا فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهَا بَدَنَةٌ قَالَ: ارْكَبْهَا وَيْلَكَ ". 1763- وَوَجَدْنَا يُونسَ، قَدْ حَدَّثَنَا أَيْضًا، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي ذُؤَيْبٍ، عَنْ عَجْلانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ مِثَلْهُ. 1764- وَوَجَدْنَا ابْنَ أَبِي دَاوُدَ، قَدْ حَدَّثَنَا، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ الْوَهْبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ لَهُ فِي الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ: " ارْكَبْهَا وَيْحَكَ ". 1765- وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: " مَرَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ يَسُوقُ بَدَنَةً، قَالَ: ارْكَبْهَا قَالَ: إِنَّهَا بَدَنَةٌ قَالَ: ارْكَبْهَا ". 1766- وَوَجَدْنَا أَبَا بَكْرَةَ، قَدْ حَدَّثَنَا، قَالَ: حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ. 1767- وَوَجَدْنَا ابْنَ أَبِي دَاوُدَ، قَدْ حَدَّثَنَا، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُقَدَّمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، " أَنَّهُ رَأَى رَجُلا يَسُوقُ بَدَنَةً، قَالَ: ارْكَبْهَا قَالَ: إِنَّهَا بَدَنَةٌ قَالَ: ارْكَبْهَا " قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يُسَايِرُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عُنُقِهَا نَعْلٌ. 1768- وَوَجْدَنَا عَلِيَّ بْنَ شَيْبَةَ، قَدْ حَدَّثَنَا، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: " مَرَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ وَهُوَ يَسُوقُ بَدَنَةً، قَالَ: ارْكَبْهَا قَالَ: إِنَّهَا بَدَنَةٌ قَالَ: ارْكَبْهَا ". 1769- وَوَجَدْنَا عَبْدَ اللهِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ حَشِيشٍ الْبَصْرِيَّ، قَدْ حَدَّثَنَا، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الأَزْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ الدَّسْتَوَائِيُّ، وَشُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ، قَالا: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ فَكَانَ الَّذِي فِي هَذِهِ الآثَارِ الَّتِي رُوِّينَا إِبَاحَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُكُوبَ الْبَدَنَةِ لِسَائِقِهَا فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لأَنَّ رُكُوبَ الْبَدَنَةِ مُبَاحٌ عَلَى كُلِّ الأَحْوَالِ كَمَا قَالَ أَهْلُ الْمَقَالَةِ الأُولَى، وَكَمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ فِي تَأْوِيلِ الآيَةِ الَّتِي تَلَوْنَا وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِجَهْدٍ رَآهُ بِالسَّائِقِ وَلِضَرَارَةٍ بِهِ، فَأَبَاحَهُ بِذَلِكَ رُكُوبَ الْبَدَنَةِ فَنَظَرْنَا، هَلْ نَجِدُ فِي شَيْءٍ مِنَ الآثَارِ مَا يَدُلُّنَا عَلَى شَيْءٍ فِي ذَلِكَ؟ فَإِذَا: 1770- نَصْرُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَدْ حَدَّثَنَا، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، " أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلا يَسُوقُ بَدَنَةً وَقَدْ جُهِدَ، قَالَ: ارْكَبْهَا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهَا بَدَنَةٌ قَال: ارْكَبْهَا ". 1771- وَإِذَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَدْ حَدَّثَنَا، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ النَّهْدِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ، قَالا: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلا يَسُوقُ بَدَنَةً، فَكَأَنَّهُ رَأَى بِهِ جهْدًا، قَالَ: " ارْكَبْهَا " قَالَ: إِنَّهَا بَدَنَةٌ قَالَ: " ارْكَبْهَا وَإِنْ كَانَتْ بَدَنَةً " فَعَلِمْنَا بِذَلِكَ أَنَّ الَّذِي كَانَ مِنْ إِبَاحَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَائِقَ الْبَدَنَةِ رُكُوبَهَا فِي الآثَارِ الأُوَلِ، كَانَ بَعْدَ أَنْ رَأَى بِهِ الْجَهْدَ الَّذِي رَآهُ بِهِ، فَلَمْ تَكُنْ فِيهَا دَلالَةٌ لَنَا عَلَى رُكُوبِهَا، وَلا جَهْدَ بِهِ إِلَى رَكُوبِهَا، لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقُلْ لَنَا فِي هَذَيْنِ الأَثَرَيْنِ: إِنَّمَا أَبَحْتُهُ رُكُوبَهَا لِلضَّرُورَةِ أَوْ لِلْجَهْدِ الَّذِي أَرَاهُ بِهِ قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَبَاحَهُ ذَلِكَ لِهَذَا الْمَعْنَى وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ إِبَاحَةُ ذَلِكَ لأَنَّ التَّبْدِينَ لا يَمْنَعُ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى، غَيْرَ أَنَّا وَجَدْنَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ حَرْفًا يَدُلُّ عَلَى مَعْنًى، وَهُوَ قَوْلُ السَّائِقِ لَهَا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَمَرَهُ بِرُكُوبِهَا: إِنَّهَا بَدَنَةٌ فَعَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ حُكْمَ الْبُدْنِ كَانَتْ عِنْدَهُمْ أَلا تُرْكَبَ، وَلَمْ يَرُدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَقُولُ لَهُ: هَلْ يَحْرُمُ رَكُوبُ الْبُدْنِ؟ ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِوَى ذَلِكَ لِنَسْتَدِلَّ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ فِي هَذَا الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، فَوَجْدَنَا. 1772- فَهْدًا قَدْ حَدَّثَنَا، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ارْكَبُوا الْهَدْيَ بِالْمَعْرُوفِ حَتَّى تَجِدُوا ظَهْرًا " فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِبَاحَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ رُكُوبَ الْهَدْيِ قَبْلَ أَنْ يَجِدُوا ظَهْرًا، وَالْمَنْعُ مِنْهُ إِيَّاهُمْ مِنْ رُكُوبِهِ إِذَا وَجَدُوا ظَهْرًا وَعَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ إِبَاحَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَائِقَ الْبَدَنَةِ فِي الآثَارِ الأُوَلِ مِنْ رُكُوبِهَا الْمَذْكُورِ فِيهَا، كَانَ مِنْهُ عَلَى الضَّرُورَةِ وَالْجَهْدِ اللَّذَيْنِ رَآهُمَا بِسَائِقِهَا، وَلا يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَحْمِلَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الآثَارِ عَلَى التَّضَادِّ، وَلا عَلَى الاخْتِلافِ الَّذِي يَدْفَعُ بِهِ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَحْمِلَهَا عَلَى الاتِّفَاقِ الَّذِي يَصْدُقُ بَعْضُهَا بَعْضًا، إِذْ كُنَّا نَجِدُ السَّبِيلَ إِلَى ذَلِكَ مِنْهَا فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ هَذِهِ الآثَارِ الَّتِي رُوِّينَا أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْبُدْنِ أَلا تُرْكَبَ فِي غَيْرِ أَحْوَالِ الضَّرُورَاتِ، وَلا تُرْكَبَ فِي أَحْوَالِ الضَّرُورَاتِ لِيَكُونَ مَا رُوِّينَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الإِبَاحَةِ فِي ذَلِكَ هُوَ الإِبَاحَةُ الَّتِي رُوِّينَاهَا عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ وَهَذَا الْقَوْلُ أَيْضًا أَشْبَهُ بِتَأْوِيلِ الآيَةِ مِنَ الْقَوْلِ الآخَرِ، لأَنَّهُ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي الآيَةِ: {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى}، فَدَلَّنَا ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمَنَافِعَ بِهَا قَدْ تَرْتَفِعُ عَنْهَا عِنْدَ ذَلِكَ الأَجَلٍ الْمُسَمَّى، وَالأَجَلُ الْمُسَمَّى مَوْجُودٌ فِي هَذَا التَّأْوِيلِ، لأَنَّ أَهْلَهُ يَقُولُونَ: هُوَ أَنْ تَصِيرَ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ بُدْنًا، فَيَحْرُمُ الانْتِفَاعُ بِهَا وَالآخَرُونَ لا يَحْرُمُ الانْتِفَاعُ بِهَا فِي قَوْلِهِمْ إِلَى بُلُوغِ مَحِلِّهَا، وَلا بُدَّ مِنْ أَنْ يِكُونَ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} مَعْنًى وَالْقِيَاسُ أَيْضًا يَدُلُّ هَذَا الْقَوْلَ، وَذَلِكَ أَنَّا وَجَدْنَاهُمْ لا يَخْتَلِفُونَ أَنَّ هَذِهِ الْبُدْنَ الَّتِي ذَكَرْنَا اخْتِلَافَهُمْ فِي رُكُوبِهَا، لَيْسَ لِسَائِقِهَا إِجَارَتُهَا، وَلا التَّعَوُّضُ بِمَنَافِعِهَا أَعْوَاضًا وَقَدْ وَجَدْنَا الأَشْيَاءَ الَّتِي الإِمْلاكُ فِيهَا مُتَكَامِلَةٌ، وَمَنَافِعُهَا مُبَاحَةٌ لأَهْلِهَا، لا بَأْسَ عَلَى أَهْلِهَا بِإِجَارَتِهَا، وَتَمْلِيكِ مَنَافِعِهَا بِأَعْوَاضٍ يَتَعَوَّضُونَهَا مِنْهَا، كَالْمَمَالِيكِ الَّذِينَ لَمْ يَدْخُلْهُمْ عَتَاقٌ، وَلأَوْلادِهِمْ مِنْ مَالِكِيهِمْ، وَلا تَدْبِيرَ مِنْهُمْ لَهُمْ وَكَانَتِ الْوِلادَةُ وَالتَّدْبِيرُ إِذَا حَدَثَا فِيهِمْ مِمَّنْ يَمْلِكُهُمْ فَنَقَصَتْ بِذَلِكَ الإِمْلَاكُ فِيهِمْ، وَصَارَتْ أُمَّهَاتُ الأَوْلادِ مِنْهُمْ مَمْنُوعَاتٍ مِنْ بَيْعِهِنَّ، وَمِنْ تَمْلِيكِهِنَّ أَحَدًا، وَصَارَ الْمُدَبَّرُونَ مِنْهُمْ، فِي قَوْلِ مَنْ يَمْنَعُ مِنْ بَيْعِهِمْ، أَيْضًا لَمْ يُمْنَعْ مِنْ إِجَارَتِهِمْ، وَلا مِنَ التَّعْوِيضِ مِنْ مَنَافِعِهِمْ، كَمَا كَانَ ذَلِكَ طَلْقًا مُبَاحًا قَبْلَ حُدُوثِ ذَلِكَ فِيهِمْ، إِذْ كَانَ مَا حَدَثَ فِيهِمْ مِنَ الْوِلادَةِ وَالتَّدْبِيرِ لَمْ يَمْنَعْ أَرْبَابَهُمْ مِنَ الانْتِفَاعِ بِهِمْ، فَلَمْ يَمْنَعْهُمْ أَيْضًا منْ تَمْلِيكِ ذَلِكَ الانْتِفَاعِ غَيْرَهُمْ، وَالتَّعَوُّضِ مِنْهُ الأَبْدَالَ، وَكَانَتِ الْبُدْنُ الَّتِي قَدْ وَجَبَتْ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَسِيقَتْ إِلَيْهِ، وَقُلِّدَتْ لَهُ، لَيْسَ لِمَنْ جَعَلَهَا كَذَلِكَ إِجَارَتُهَا، وَلا الاعْتِيَاضُ مِنْ مَنَافِعِهَا أَعْوَاضًا فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَيْضًا الانْتِفَاعُ بِهَا، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ الانْتِفَاع بِهَا لِنَفْسِهِ إِذًا لَكَانَ لَهُ تَمْلِيكُ ذَلِكَ مِنْهَا مَنْ شَاءَ بِمَا شَاءَ مِنَ الأَعْوَاضِ، كَمَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ فِي أُمَّهَاتِ الأَوْلادِ وَالْمُدَبَّرِينَ وَفِي ثُبُوتِ مَا ذَكَرْنَا ثُبُوتُ الْقَوْلِ الثَّانِي مِنَ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ وَصَفْنَا، وَأَنَّ تَأْوِيلَ الآيَةِ بِالَّذِي قَالَ أَهْلُ هَذَا الْقَوْلِ أَوْلَى مِنْ تَأْوِيلِهَا بِالْقَوْلِ الآخَرِ وَهَكَذَا كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ يَذْهَبُونَ إِلَيْهِ فِي رُكُوبِ الْبُدْنِ، أَنَّهُ مُبَاحٌ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ، وَمَحْظُورٌ فِي غَيْرِ حَالِ الضَّرُورَةِ، كَمَا حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَمْ يَحْكِ فِي ذَلِكَ خِلافًا.
قَالَ اللهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} فَكَانَتِ الْهَاءُ الَّتِي فِي {دَخَلَهُ} عَائِدَةٌ عَلَى الْبَيْتِ وَكَانَ الْمُرَادُ بِالْبَيْتِ فِي هَذَا هُوَ الْحَرَمُ لا اخْتِلافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ عَلِمْنَاهُ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} فَكَانَ الْخِطَابُ مَقْصُودًا بِهِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْحَرَمُ كُلُّهُ، لا اخْتِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ عَلِمْنَاهُ وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ وَمَا قَالَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ، وَمَا قَدْ رُوِيَ فِيهِ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَنْ غَيْرِهِمْ مِنْ تَابِعِيهِمْ فِي كِتَابِ الطَّهَارَاتِ مِنْ كُتُبِنَا هَذِهِ وَكَانَ مَعْنَى هَذِهِ الآيَةِ عِنْدَنَا، وَاللهُ أَعْلَمُ، أَنَّهُ مَنْ أَصَابَ حَدًّا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ لِعِبَادِهِ، ثُمَّ دَخَلَ الْحَرَمَ أَمِنَ مِنْ ذَلِكَ الْحَدِّ، فَلَمْ يُقَمْ عَلَيْهِ مَا كَانَ مُقِيمًا فِي الْحَرَمِ، إِلَى أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الْحَرَمِ، فَيُقَامُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْحَدُّ فِي الْحِلِّ وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الآيَةِ كَما: 1773- قَدْ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ بَكَّارُ بْنُ قُتَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " مَنْ أَصَابَ حَدًّا فِي الْحَرَمِ أُقِيمَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَصَابَهُ خَارِجَ الْحَرَمِ، ثُمَّ دَخَلَ الْحَرَمَ، لَمْ يُكَلَّمْ، وَلَمْ يُجَالَسْ، وَلَمْ يُبَايَعْ حَتَّى يَخْرُجَ مِنَ الْحَرَمِ، فَيُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ ". 1774- وَكَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " إِذَا أَحْدَثَ الرَّجُلُ، ثُمَّ دَخَلَ الْحَرَمَ، لَمْ يُؤْوَ، وَلَمْ يُجَالَسْ، وَلَمْ يُبَايَعْ، وَلَمْ يُطْعَمْ، وَلَمْ يُسْقَ حَتَّى يَخْرُجَ مِنَ الْحَرَمِ ". 1775- وَكَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ سَوَاءً. 1776- وَكَمَا حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِيمَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا فِي غَيْرِ الْحَرَمِ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى الْحَرَمِ، " لَمْ يُكَلَّمْ، وَلَمْ يُبَايَعْ، وَلَمْ يُؤْوَ حَتَّى يَخْرُجَ مِنَ الْحَرَمِ، فَإِذَا خَرَجَ مِنَ الْحَرَمِ أُخِذَ، فَأُقِيمَ عَلَيْهِ مَا عَلَيْهِ، وَمَا أَحْدَثَ فِي الْحَرَمِ أُقِيمَ عَلَيْهِ مَا أَحْدَثَ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ ". 1777- وَكَمَا حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الأَزْرَقُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: " كَانَ سَعِيدٌ مَوْلَى مُعَاوِيَةَ، وَأَصْحَابٌ لَهُ بِالطَّائِفِ مُتَحَصِّنِينَ فِي قَلْعَةٍ، فَاسْتُنْزِلُوا مِنْهَا، فَانْطُلِقَ بِهِمْ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَهُوَ بِمَكَّةَ، فَأَرْسَلَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: مَا تَرَى فِي هَؤُلاءِ النَّفَرِ؟ قَالَ: أَرَى أَنْ تُخَلِّيَ سَبِيلَهُمْ، فَإِنَّهُمْ قَدْ أَمِنُوا إِذْ أَدْخَلْتَهُمُ الْحَرَمَ فَقَالَ: لا، نُخْرِجُهُمْ مِنَ الْحَرَمِ ثُمَّ نَصْلُبُهُمْ؟ قَالَ: فَهَلا قَبْلَ أَنْ تُدْخِلَهُمْ؟ " فَأَخْرَجَهُمُ ابْنُ الزُّبَيْرِ، فَصَلَبَهُمْ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَوْ لَقِيتُ قَاتِلَ أَبِي فِي الْحَرَمِ مَا هِجْتُهُ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهُ " فَهَذَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ قَدْ ذَهَبَ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ جَلَّ وَعَزَّ: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا}، إِلَى مَا حَكَيْنَاهُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ، وَجَعَلَ ذَلِكَ عَلَى الْحَرَمِ كُلِّهِ، لا عَلَى الْبَيْتِ خَاصَّةً، وَخَالَفَ بَيْنَ الْمُصِيبِ لِلذُّنُوبِ الْمُوجِبِ الْحَدِّ عَلَيْهِ فِي الْحَرَمِ، وَبَيْنَ الْمُصِيبِ لَهُ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ اللاجِئِ إِلَى الْحَرَمِ بَعْدَ ذَلِكَ وَكَانَ الدَّاخِلُ فِي الْحَرَمِ إِذَا دَخَلَهُ خَائِفًا مِمَّا كَانَ يَخَافُ، لأَنَّهُ إِنَّمَا يَأْمَنُ الْخَائِفُ وَمَنْ دَخَلَهُ قَبْلَ إِصَابَتِهِ الذَّنْبَ، ثُمَّ أَصَابَ فِيهِ الذَّنْبَ، فَقَدْ دَخَلَهُ آمِنًا غَيْرَ خَائِفٍ، فَلَمْ يُؤَمِّنْهُ دُخُولُهُ الْحَرَمَ مِنْ شَيْءٍ كَانَ مِنْهُ خَائِفًا قَبْلَ دُخُولِهِ إِيَّاهُ فَإِذَا أَصَابَ فِيهِ الذَّنْبَ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ بِإِصَابَتِهِ ذَلِكَ الذَّنْبَ فِيهِ مَنْتَهِكًا لِحُرْمَتِهِ، وَمُسْتَحِلا لَهَا وَكَانَ لِغَيْرِهِ مِنَ الآمِنِينَ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ إِذَا أَصَابُوا ذَنْبًا حَيْثُ هُمْ مِمَّا سِوَى الْحَرَمِ وَقَدْ قَالَ: تَابَعَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الآيَةِ حِينَ لَمْ يَقْتُلْ سَعِيدًا وَلا أَصَابَهُ فِي الْحَرَمِ حَتَّى أَخْرَجَهُمْ مِنْهُ إِلَى الْحِلِّ فَصَلَبَهُمْ فِيهِ وَقَدْ وَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ كَما: 1778- قَدْ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَطَاءٌ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ، وَابْنَ عَبَّاسٍ، قَالا فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {" {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا}، قَالا: الرَّجُلُ يُصِيبُ الْحَدَّ ثُمَّ يَدْخُلْهُ فَلا يُبَايَعُ، وَلا يُجَالَسُ، وَلا يُؤوى، وَلا يُكَلَّمُ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهُ، فَيُقَنَّعُ فَيُؤْخَذُ فَيُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ ". 1779- وَكَمَا حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: " لَوْ وَجَدْتُ قَاتِلَ عُمَرَ فِي الْحَرَمِ مَا هِجْتُهُ " وَهَكَذَا كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَزُفَرُ، وَمُحَمَّدٌ يَقُولُونَهُ فِي ذَلِكَ، غَيْرَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَجْعَلُونَ ذَلِكَ أَمَانًا فِي كُلِّ حَدٍّ يَأْتِي عَلَى النَّفْسِ مِنْ حُدُودِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمِنْ حُدُودِ عِبَادِهِ مِثْلُ أَنْ يَزْنِيَ وَهُوَ مُحْصِنٌ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ الرَّجْمُ، فَيَلْجَأُ إِلَى الْحَرَمِ فَيَدْخُلُهُ، وَمِثْلُ الَّذِي يَرْتَدُّ عَنِ الإِسْلَامِ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقَتْلُ، فَيَلْجَأُ إِلَى الْحَرَمِ فَيَدْخُلُهُ، وَمِثْلُ الَّذِي يَقْطَعُ الطَّرِيقَ عِلَى الْمُسْلِمِينَ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقَتْلُ، فَيَلْجَأُ إِلَى الْحَرَمِ فَيَدْخُلُهُ، وَمِثْلُ أَنْ يَقْتُلَ رَجُلا عَمْدًا، فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِي ذَلِكَ، فَيَلْجَأُ إِلَى الْحَرَمِ فَيَدْخُلُهُ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْوُجُوهِ الَّتِي لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، أَوْ لِعِبَادِهِ مِمَّا يَجِبُ بِهَا سَفْكُ الدِّمَاءِ وَلا يَجْعَلُونَ ذَلِكَ عَلَى الْحُدُودِ الَّتِي لا تَأْتِي عَلَى النَّفْسِ مِنْ حُدُودِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ كَالْقَطْعِ فِي السَّرِقَاتِ، وَلا مِنَ الْحُقُوقِ الَّتِي لِلْعِبَادِ مِثْلُ قَطْعِ الأَيْدِي، أَوْ مَا سِوَاهَا مِنَ الأَعْضَاءِ قَوَدًا، وَلا مِثْلُ التَّعْزِيرِ بِالأَقْوَالِ الْمُوجِبَةِ بِالْعُقُوبَاتِ، وَلا بِمَا يُشْبِهُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ مِنْ حُقُوقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمِنْ حُقُوقِ عِبَادِهِ كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، فَذَكَرَ هَذِهِ الْمَعَانِي الَّتِي ذَكَرْنَاهَا كُلَّهَا بِأَنْ كَانَ قَدْ زِدْنَا فِي أَلْفَاظِهَا مَا كَشَفْنَا بِهِ وُجُوهَهَا مِمَّا لَمْ يَخْرُجْ بِهِ مِنْ مَعَانِيهَا وَلَمْ يَحْكِ فِي ذَلِكَ خِلافًا بَيْنَهُمْ وَقَدْ ذَكَرَ لَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعَنْ زُفَرَ، مِثْلَ ذَلِكَ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي ذَلِكَ: إِنَّ الْحَرَمَ لا يُجِيرُ ظَالِمًا، وَإِنَّ مَنْ لَجَأَ إِلَى الْحَرَمِ أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّهُ الَّذِي كَانَ وَجَبَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَلْجَأَ إِلَى الْحَرَمِ وَكَانَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَزُفَرَ، وَمُحَمَّدٍ فِي ذَلِكَ أَوْلَى عِنْدَنَا مِنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الَّذِي حَكَاهُ عَنْهُ الْحَسَنُ، وَإِنْ كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ قَدْ خَالَفَهُ فِي ذَلِكَ، فَرَوى عَنْ أَبِي يُوسُفَ خِلافَهُ لِمَا قَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ عَنْهُمْ فِي هَذَا الْبَابِ، وَلأَنَّا لَمْ نَجِدْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الآيَةِ الَّتِي تَلَوْنَا غَيْرَ التَّأْوِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ فِي ذَلِكَ وَأَمَّا مَا رُوِّينَاهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعَنْ زُفَرَ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْحُدُودِ الَّتِي لا تَأْتِي عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ، فَلا وَجْهَ لِذَلِكَ عِنْدَنَا، لأَنَّ الْحَرَمَ إِنْ كَانَ دُخُولُهُ يُؤَمِّنُ مِنَ الْعُقُوبَاتِ فِي الأَنْفُسِ فَهُوَ يُؤَمِّنُ مِنَ الْعُقُوبَاتِ فِيمَا دُونَ الأَنْفُسِ، وَإِنْ كَانَ لا يُؤَمِّنُ مِنَ الْعُقُوبَاتِ فِيمَا دُونَ الأَنْفُسِ فَإِنَّهُ لا يُؤَمِّنُ مِنَ الْعُقُوبَاتِ فِي الأَنْفُسِ وَقَدْ وَجَدْنَاهُ يُؤَمِّنُ الصَّيْدَ فِي نَفْسِهِ، وَيُؤَمِّنُهُ فِي أَعْضَائِهِ فَإِذَا كَانَ فِي الصَّيْدِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا كَانَ فِي الآدَمِيِّينَ أَيْضًا كَمَا وَصَفْنَا، وَهَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عُمَرَ فَقَدْ رُوِّينَا عَنْهُمَا فِي ذَلِكَ فِي هَذَا الْبَابِ مَا لَمْ يُفَرِّقَا فِيهِ بَيْنَ الأَنْفُسِ إِذَا أَتَتِ الْحُدُودُ عَلَيْهَا، وَبَيْنَ الأَعْضَاءِ إِذَا أَتَتِ الْحُدُودُ عَلَيْهَا فَذَلِكَ عِنْدَنَا مِنْ قَوْلِهِمَا أَوْلَى مِمَّا قَدْ قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَزُفَرُ، وَمُحَمَّدٌ، وَأَبُو يُوسُفَ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ، لا سِيَّمَا إِذَا لَمْ نَعْلَمْ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالَفَهُمَا فِيمَا قَالا مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ أَبِي رَبَاحٍ كَمَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ مِما: 1780- قَدْ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَجَّاجُ، قَالَ: قَالَ لِي عَطَاءٌ: " إِنْ قَذَفَ فِيهِ، يَعْنِي الْحَرَمَ، أَوْ سَرَقَ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَإِذَا صَنَعَ ذَلِكَ فِي غَيْرِهِ ثُمَّ لَجَأَ، يَعْنِي إِلَيْهِ، لَمْ يُقَمْ عَلَيْهِ " وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالأَمَانِ فِي هَذِهِ الآيَةِ الَّتِي تَلَوْنَا غَيْرُ بَنِي آدَمَ، فَأَمِنَ أَنْ يُصَادَ أَوْ يُهَاجَ وَهَذَا قَوْلٌ لا نَعْلَمُ لأَهْلِهِ فِيهِ مُتَقَدِّمًا، وَلا إِمَامًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلا مِنْ تَابِعِيهِمْ وَهَذَا أَيْضًا تَأْوِيلٌ غَيْرُ صَحِيحٍ فِي اللُّغَةِ، وَلا مُسْتَقِيمٍ فِي الْقِيَاسِ، فَأَمَّا فَسَادُهُ فِي اللُّغَةِ، فَإِنَّ " مَنْ " لا يَكُونُ لِغَيْرِ بَنِي آدَمَ، وَإِنَّمَا يَكُونُ مَكَانُهَا لِغَيْرِ بَنِي آدَمَ " مَا "، فَلا تَكُونُ الآيَةُ كَمَا تَلَوْنَا، فَتَكُونُ: " وَمَا دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا "، وَحَاشَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ فَأَمَّا مَا فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ إِثَبَاتِ " مَا " لِغَيْرِ بَنِي آدَمَ فِيمَا مَوْضِعُهَا لِبَنِي آدَمَ " مَنْ "، فَكَقَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ}، وَلَمْ يَقُلْ عَزَّ وَجَلَّ: {" إِلا مَنْ ذَكَّيْتُمْ "، وَكَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ}، وَلَمْ يَقُلْ عَزَّ وَجَلَّ: {" وَمَنْ ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ "، وَكَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ}، وَلَمْ يَقُلْ جَلَّ وَعَزَّ: " مِمَّنْ لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ "، فِي نَظَائِرَ لِذَلِكَ كَثِيرَةٍ، فَنَسْتَغْنِي بِمَا ذَكَرْنَا مِنْهَا عَنْ بَقِيَّتِهَا وَأَمَّا مَا فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ إِثْبَاتِ " مَنْ " فِي مِثْلِ ذَلِكَ لِبَنِي آدَمَ، فَكَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِلا مَنْ تَابَ}، وَكَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا}، وَلَمْ يَقُلْ " إِلا مَا تَابَ " وَكَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا}، وَكَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ}، فِي نَظَائِرَ لِذَلِكَ كَثِيرَةٍ نَسْتَغْنِي بِمَا ذَكَرْنَا مِنْهَا عَنْ بَقِيَّتِهَا وَأَمَّا فَسَادُهُ فِي الْقِيَاسِ فَإِنَّا رَأَيْنَا الصَّيْدَ الْمَوْلُودَ فِي الْحَرَمِ مُحَرَّمًا كَحُرْمَةِ الصَّيْدِ الَّذِي يَلْجَأُ إِلَى الْحَرَمِ مِنَ الْحِلِّ، فَلَمْ تَكُنْ حُرْمَةُ الصَّيْدِ بِدُخُولِهِ الْحَرَمَ كَمَا فِي الآيَةِ الَّتِي تَلَوْنَا، لأَنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّمَا أَمَّنَ فِيهَا بِدُخُولِهِ الْحَرَمَ، لا بِالْمَقَامِ فِي الْحَرَمِ، فَاسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَا يُسَوَّى فِيهِ حُكْمُ الدَّاخِلِ إِلَى الْحَرَمِ وَحُكْمُ الْمُقِيمِ فِي الْحَرَمِ الَّذِي لَمْ يَلْجَأْ إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ وَثَبَتَ ذَلِكَ عَلَى مَا يَخْتَلِفُ فِيهِ حُكْمُ الدُّخُولِ وَحُكْمُ الْمَقَامِ الَّذِي لا دُخُولَ قَبْلَهُ، وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي بَنِي آدَمَ، وَغَيْرُ مَوْجُودٍ فيِ الصَّيْدِ وَالأَوْلَى بِظَاهِرِ الآيَةِ أَنْ يَكُونَ الأَمَانُ الْمَذْكُورُ فِيهَا يُرَادُ بِهِ الْمُخَاطَبُونَ بِالْعُقُوبَاتِ عَلَى الذُّنُوبِ الْمُتَعَبِّدُونَ بِالتَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ، لا مَا سِوَاهُمْ مِمَّنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَاتِ، وَلا مِنْ أَهْلِ التَّعَبُّدِ بِالتَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ تَمَّ كِتَابُ الْمَنَاسِكِ مِنْ أَحْكَامِ الْقُرآنِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَصَلَوَاتُهُ عَلَى سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
فَأَمَرَ عَزَّ وَجَلَّ بِطَلاقِ النِّسَاءِ لِلْعِدَّةِ، وَبَيَّنَ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ الْعِدَّةَ مَا هِيَ. 1781- كَمَا حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ الْقَاضِي، وَيَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ أَبُو بَكْرَةَ، وَيَزِيدُ فِي حَدِيثِهِمَا قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَيْمَنَ، ثُمَّ اجْتَمَعُوا فِي حَدِيثِهِمْ، فَقَالُوا: سَأَلَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ، وَأَبُو الزُّبَيْرِ يَسْمَعُ، عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَقَالَ: طَلَّقَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " قُلْ لَهُ فَلْيَرُدَّهَا، فَإِذَا طَهُرَتْ فَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ "، وَتَلا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ فِي قَبْلِ عِدَّتِهِنَّ هَكَذَا قَالَ أَبُو بَكْرَةَ وَيَزِيدُ فِي حَدِيثِهِمَا وَأَمَّا ابْنُ مَرْزُوقٍ فَقَالَ فِي حَدِيثِهِ: وَتَلا: يَأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لَفِي قَبْلِ عِدَّتِهِنَّ وَلَمْ يُضِفِ التِّلاوَةَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ الْعِدَّةَ الَّتِي لَهَا يَكُونُ الطَّلاقُ عَلَى مَا أَمَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ فِي الآيَةِ الَّتِي تَلَوْنَا، ابْتِدَاؤُهَا الْوَقْتُ الَّذِي أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَنْ يَأْمُرَ عَبْدَ اللهِ أَنْ يُطَلِّقَ فِيهِ امْرَأَتَهُ إِنْ آثَرَ أَنْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ رَدِّهَا إِلَيْهِ مِنَ الطَّلاقِ الأَوَّلِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَبُو الزُّبَيْرِ هَذَا فِي حَدِيثِهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ ذَلِكَ الرَّدَّ مَا هُوَ، هَلْ هُوَ رَجْعَةٌ يُحْدِثُهَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُطَلَّقَةِ أَوْ مَا سِوَاهَا؟ وَكَذَلِكَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِأَلْفَاظٍ دُونَ الأَلْفَاظِ الَّتِي رَوَاهُ عَلَيْهِا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَلَمْ يَذْكُرِ الرَّدَّ الَّذِي أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَرَ أَنْ يَأْمُرَ بِهِ عَبْدَ اللهِ مَا هُوَ. 1782- كَمَا حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمُ بْنُ بَشِيرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: " طَلَّقْتُ امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ، فَرَدَّهَا عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى طَلَّقْتُهَا وَهِيَ طَاهِرٌ " فَنَظَرْنَا هَلْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَيْرِ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ مَا يَدُلُّنَا عَلَى ذَلِكَ الرَّدِّ مَا هُوَ، فَوَجَدْنَا: 1783- بَكَّارًا، قَدْ حَدَّثَنَا، قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ؟ قَلت: نَعَمْ قَالَ: فَإِنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَأَتَى عُمَرُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: " مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا " قُلْتُ: وَتَعْتَدُّ بِتِلْكَ التَّطْلِيقَةِ؟ قَالَ: فَمَهْ، أَرَأَيْتَ إِنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ. 1784- وَحَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ شُعَيْبٍ الْكَيْسَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْخُصَيْبُ بْنُ نَاصِحٍ الْحَارِثِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التُّسْتَرِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: حَدَّثَنَيِ الْمُغِيرَةُ بْنُ يُونُسَ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ، قُلْتُ: رَجُلٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَقَالَ: أَتَعْرِفُ ابْنَ عُمَرَ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: فَإِنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَأَتَى عُمَرُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ، " فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَاجِعَهَا، ثُمَّ يُطَلِّقَهَا فِي قَبْلِ عِدَّتِهَا ". 1785- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ سِيرِينَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ، يَقُولُ: طَلَّقَ ابْنُ عُمَرَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " فَلْيُرَاجِعْهَا، فَإِذَا طَهُرَتْ فَلْيُطَلِّقْهَا " فَقِيلَ: احْتُسِبْتَ بِهَا؟ فَقَالَ: فَمَهْ. 1786- حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْجُعْفِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سَليْمَانَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ، كَيْفَ صَنَعْتَ فِي امْرَأَتِكَ الَّتِي طَلَّقْتَ؟ فَقَالَ: طَلَّقْتُهَا وَهِيَ حَائِضٌ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعُمَرَ، فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: " مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا عِنْدَ طُهْرٍ " قَالَ: فَقُلْتُ: وَكُنْتَ، جُعِلْتُ فِدَاكَ، اعْتَدَدْتَ بِالطَّلاقِ الأَوَّلِ؟ فَقَالَ: وَمَا يَمْنَعُنِي وَإِنْ كُنْتُ أَسَأْتُ وَاسْتَحْمَقْتُ. 1787- حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى آلِ طَلْحَةَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَسَأَلَ عُمَرُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا وَهِيَ طَاهِرٌ أَوْ حَامِلٌ ". 1788- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْمَلِيحِ الرَّقِّيُّ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، " أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَاجِعَهَا حَتَّى تَطْهُرَ، فَإِذَا طَهُرَتْ فَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ ". 1789- حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْمَلِيحِ، عَنْ مَيْمُونٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، " أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فِي حَيْضَتِهَا، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرْتَجِعَهَا حَتَّى تَطْهُرَ، فَإِذَا طَهُرَتْ فَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ قَبْلَ أَنْ يُجَامِعَ " فَعَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ الرَّدَّ الَّذِي أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَرَ أَنْ يَأْمُرَ بِهِ عَبْدَ اللهِ هُوَ الارْتِجَاعُ لِلطَّلاقِ، وَذَلِكَ لا يَكُونُ إِلا وَقَدِ احْتُسِبَتْ عَلَيْهِ بِالطَّلاقِ الَّذِي كَانَ مِنْهُ وَكَانَ مَا أَرَادَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَّلَمَ مِنَ الْمُرَاجَعَةِ الَّتِي أَمَرَ عُمَرَ أَنْ يَأْمُرَ بِهَا ابْنَ عُمَرَ، لأَنَّ الَّذِي كَانَ مِنْهُ كَانَ خَطَأً، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَّلَمَ أَنْ يَأْمُرَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا حَتَّى يَقْطَعَ بِذَلِكَ أَسْبَابَ الْخَطَإِ ثُمَّ إِنْ آثَرَ أَنْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ طَلَّقَهَا طَلاقًا صَوَابًا حَتَّى يَبِينَ مِنْهُ بِأَسْبَابِ ذَلِكَ الطَّلاقِ الصَّوَابِ وَكَذَلِكَ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ يَأْمُرُونَ مَنْ كَانَ مِنْهُ مِثْلُ هَذَا الطَّلاقِ بِالْمُرَاجَعَةِ، لِيَقْطَعَ أَسْبَابَهُ عَنْهُ، وَتَخْرُجَ بِهِ الْمَرْأَةُ مِنْ أَسْبَابِ الْخَطَإِ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ طَلَّقَهَا طَلاقًا صَوَابًا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي أُمِرَ بِالطَّلاقِ فِيهِ، وَلا يَحْكُمُونَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، وَلا يُجْبِرُونَهُ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ كَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يَقُولُ فِي ذَلِكَ كَمَا حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ يَحْيَى الْهَمْذَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنِ الأَشْجَعِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ بِذَلِكَ وَأَمَّا مَالِكٌ فَكَانَ يُجْبِرُهُ عَلَى ذَلِكَ، وَيَحْكُمُ عَلَيْهِ كَمَا حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عن مَالِكٍ بِذَلِكَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثٌ فِيهِ مَعْنَى مَا فِي حَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ وَسَعِيدٍ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا فِي صَدْرِ هَذَا الْبَابِ، غَيْرَ التِّلاوَةِ الَّتِي فِي حَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ فِيهِ. 1790- كَمَا حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ النَّهْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلامِ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ يَعْنِي الدَّالانِيَّ، عَنْ أَبِي الْعَلاءِ الأَوْدِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيِّ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ: " يَقُولُ أَحَدُكُمْ لامْرَأَتِهِ: قَدْ طَلَّقْتُكِ، قَدْ رَاجَعْتُكِ، لَيْسَ هَذَا بِطَلاقِ الْمُسْلِمِينَ، طَلِّقُوا الْمَرْأَةَ فِي قُبُلِ طُهْرِهَا " فَذَلِكَ عِنْدَنَا، وَاللهُ أَعْلَمُ، عَلَى أَنْ يُطَلِّقُوهَا فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامَعْ فِيهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي حَدِيثِ فَهْدٍ، عَنْ عَلِيٍّ، مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ قَبْلَ أَنْ يُجَامِعَ " وَهَذَا الْمَعْنَى فَلَمْ نَجِدْهُ فِي حَدِيثِ أَحَدٍ مِمَّنْ رَوَاهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ مَيْمُونٍ وَغَيْرُ حَدِيثٍ رُوِيَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِثْلُ ذَلِكَ سَنَذْكُرُهُ بَعْدُ فِي هَذَا الْبَابِ إِنْ شَاءَ اللهُ وَفِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى مَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فِي قُبُلِ طُهْرِهَا "، أَيْ فِي أَوَّلِ طُهْرِهَا وَمَعْنَى حَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ مِنْ تِلاوَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ فِي قُبُلِ عِدَّتِهِنَّ " هُوَ هَذَا الْمَعْنَى بِعَيْنِهِ وَاللهُ أَعْلَمُ، لأَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الطَّلاقُ مِنْهُمْ فِي قُبُلِ عِدَدِ النِّسَاءِ اللائِي هُنَّ أَطْهَارٌ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي هَذَا ما: 1791- حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُجَاعُ بْنُ الْوَلِيدِ الْيَشْكُرِيُّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {" {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}، قَالَ: طَاهِرٌ مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ " وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ هَذَا الْحَدِيثُ بِأَلْفَاظٍ أَكْثَرَ مِنْ هَذِهِ. 1792- كَمَا حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: " مَنْ أَرَادَ الطَّلاقَ الَّذِي هُوَ الطَّلاقُ فَلْيُطَلِّقْ عِنْدَ طُهْرٍ مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ فَلْيَقُلْ: اعْتَدِّي، فَإِنْ بَدَا لَهُ رَاجَعَهَا، وَأَشْهَدَ رَجُلَيْنِ، وَإِلا كَانَ الثَّانِيَةَ فِي مَرَّةٍ أُخْرَى "، فَكَذَلِكَ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي ذَلِكَ ما: 1793- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ الضُّبَعِيُّ، وَوَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {" {يَأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}، أَنْ يُطَلِّقَهَا طَاهِرًا، ثُمَّ يَدَعَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، أَوْ يُرَاجِعَهَا إِنْ شَاءَ " وَهَذَا الَّذِي فِي هَذِهِ الأَحَادِيثِ الَّتِي رُوِّينَاهَا مِنْ أَنْوَاعِ الطَّلاقِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي الطُّهْرِ الَّذِي لَمْ يَتَقَدَّمْهُ فِيهِ جِمَاعٌ، قَوْلُ أَهْلِ الْعِلْمِ لا نَعْلَمُ بَيْنَهُمْ فِيهِ اخْتِلافًا وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سَالِمٍ، وَنَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي قِصَّتِهِ فِي طَلاقِهِ امْرَأَتَهُ حَائِضًا، وَفِي أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَرَ بِمَا أَمَرَهُ أَنْ يَأْمُرَهُ بِهِ فِي ذَلِكَ، زِيَادَةٌ عَلَى مَا فِي الآثَارِ الأُوَلِ الَّتِي ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْبَابِ. 1794- كَمَا حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ، وَنَصْرُ بْنُ مَرْزُوقٍ، وَابْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالُوا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمٌ، أَنَّ عَبْدُ اللهِ بْنَ عُمَرَ، أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَةً لَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لِيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ يُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ فَتَطْهُرَ، فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ كَمَا أَمَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ". 1795- حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ الْجُمَحِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ سَالِمًا، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، وَأَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعُمَرَ: " مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ، ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ ". 1796- حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَنَّ مَالِكًا، أَخْبَرَهُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَ عُمَرُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: " مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ، ثُمَّ تَطْهُرَ، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ ". 1797- حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، فَذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ مَالِكٍ، غَيْرَ أَنَّ عَبْدَ اللهِ، قَالَ: " مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ يَتْرُكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ طَلَّقَ ". 1798- حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْخُصْيَبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، وَعُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَ عُمَرُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: " مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ يُمْسِكُهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ، ثُمَّ تَطْهُرَ، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ ". 1799- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، وَعُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، مِثْلَهُ. 1800- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْبَرْقِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ، وَزَادَ " قَبْلَ أَنْ يُجَامِعَهَا ". 1801- حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ نَصْرٍ، وَفَهْدٌ، قَالا: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ فَفِي هَذِهِ الآثَارِ عَنْ سَالِمٍ، وَنَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ، ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ طَلَّقَ، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ فَفِي ذَلِكَ مَا وَكَّدَ أَنَّ الرَّدَّ الْمَذْكُورَ فِي الآثَارِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْفَصْلِ الأَوَّلِ مِنْ هَذَا الْبَابِ أَنَّهُ الْمُرَاجَعَةُ وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ وَكَّدَ وُقُوعَ الطَّلاقِ مِنَ ابْنِ عُمَرَ عَلَى امْرَأَتِهِ الَّتِي كَانَ طَلَّقَهَا وَهِيَ حَائِضٌ، وَأَنَّ الْحَيْضَ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ ذَلِكَ وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ بِمُرَاجَعَتِهَا، وَأَلا يُطَلِّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ حَيْضَةً أُخْرَى، ثُمَّ تَطْهُرَ مِنْهَا وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ عَلَى مِثْلِ الْحَالِ الَّتِي طَلَّقَ عَلَيْهَا ابْنُ عُمَرَ امْرَأَتَهُ فَرَاجَعَهَا كَمَا يُؤْمَرُ بِهِ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا طَلاقًا آخَرَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُطَلِّقُهَا إِذَا طَهُرَتْ مِنْ حَيْضَتِهَا الَّتِي كَانَ طَلَّقَهَا فِيهَا وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا حَتَّى تَطْهُرَ مِنْ حَيْضَتِهَا، ثُمَّ تَحِيضَ بَعْدَهَا حَيْضَةً، ثُمَّ تَطْهُرَ، فَيَكُونُ لَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يُطَلِّقَهَا إِنْ أَرَادَ ذَلِكَ وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ أَبُو يُوسُفَ قَالَ أَحْمَدُ: وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ عِنْدَنَا، وَذَلِكَ أَنَّ الْعِبَادَ قَدْ نُهُوا أَنْ يُطَلِّقُوا نِسَاءَهُمْ فِي حَالِ حَيْضِهِنَّ، وَفِي حَالِ مُجَامَعَتِهِمْ إِيَّاهُنَّ، وَأُمِرُوا أَنْ يُطَلِّقُوهُنَّ طَاهِرَاتٍ مِنَ الْحَيْضِ غَيْرَ مُجَامَعَاتٍ، وَكَانَ مَنْ جَامَعَ امْرَأَتَهُ حَائِضًا ثُمَّ أَرَادَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُطَلِّقَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى تَطْهُرَ مِنْ حَيْضَتِهَا الَّتِي جَامَعَهَا فِيهَا، وَحَتَّى تَحِيضَ بَعْدَهَا حَيْضَةً أُخْرَى، ثُمَّ تَطْهُرَ مِنْهَا لِيَكُونَ بَيْنَ جِمَاعِهِ إِيَّاهَا وَبَيْنَ طَلاقِهِ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يُطَلِّقَهَا إِيَّاهُ حَيْضَةٌ كَامِلَةٌ فَالْقِيَاسُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ إِذَا طَلَّقَهَا حَائِضًا، ثُمَّ إِنْ أَرَادَ بَعْدَ ذَلِكَ أَلا يَكُونَ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى يَكُونَ بَيْنَ طَلاقِهَا الَّذِي طَلَّقَهَا إِيَّاهُ، وَبَيْنَ الطَّلاقِ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يُطَلِّقَهَا إِيَّاهُ حَيْضَةٌ كَامِلَةٌ وَفِي ثُبُوتِ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعِبَادَ مُهَيَّئُونَ أَنْ يُوقِعُوا مِنَ الطَّلاقِ عَلَى نِسَائِهِمْ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ، لأَنَّهُ لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَرَ أَنْ يَأْمُرَ ابْنَ عُمَرَ بِمُرَاجَعَةِ امْرَأَتِهِ الَّتِي طَلَّقَهَا حَائِضًا، وَأَلا يُطَلِّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى تَطْهُرَ مِنْ حَيْضَتِهَا تِلْكَ، ثُمَّ تَحِيضَ بَعْدَهَا حَيْضَةً أُخْرَى، ثُمَّ تَطْهُرَ مِنْهَا لِتَكُونَ بَيْنَ كُلِّ طَلْقَتَيْنِ حَيْضَةٌ كَامِلَةٌ، دَلَّ ذَلِكَ أَنَّهُ لا يَنْبَغِي جَمْعُ تَطْلِيقَتَيْنِ بِقَوْلٍ وَاحِدٍ عَلَى امْرَأَةٍ، وَلا فِي وَقْتٍ لا فَاصِلَ بَيْنَهُمَا مِنَ الْحَيْضِ كَمَا أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَرَ أَنْ يَأْمُرَ ابْنَ عُمَرَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَنْ أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا وَهِيَ طَاهِرٌ مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ، فَمَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ حَتَّى تَكُونَ بَيْنَ كُلِّ تَطْلِيقَتَيْنِ يُطَلِّقُهَا حَيْضَةٌ، وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ وَأَبَاحَهُ بَعْضُهُمْ، وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ.
|